للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

محمداً (١) رسول اللَّه، ويقصدون بذلك نكايته، على باب السُخرية والاستهزاء به، وصار هذا دأبهم معه، وكلّما سكنت طائفة قيّض اللَّه تعالى له غيرها، حتى أمعنوا في ذلك، وكانوا كلّما كرّروا عليه زاد هو في السبّ عقيب تكلّمهم بتلك الكلمات، فيجزم العوامّ بأنه يسبّ اللَّه ورسوله وأبا بكر، فإنه يوقع السبّ عقيب كلامهم ويحنق، بحيث يصير كالغائب العقل، وهم يتبدّلون، فإنه كلّما مرّت طائفة وتسلّطت عليه حتى غيّبت ومرّت إلى حال سبيلها، فأخلفَتْها طائفة أخرى مستريحة، وهو لا يمكنه أن يستريح، بل ربّما غاب عن الوجود، ومن كثرة ما يحلّ به حتى كاد أن يكون مجذوباً أو مجنوناً، فكان إذ لو كان تامّ العقل لما حنق من كلام العامّة ولا التفت إليه المرة بعد المرة، فكانوا يستكفون عنه، أو كان يمكنه أن يخرج إلى جهة أخرى.

واتفق أن بعض الغوغاء تسلّطوا عليه في بعض الأيام على عادتهم في ذلك معه، وزادوا وأفحشوا وخرجوا عن الحدّ في ذلك، وزاد هو أيضاً في السبّ، وبقي الجم من الغوغاء من يعرفه ومن لا يعرفه يتكاثرون عليه حتى تكاثف الجمع الموفور عليه، ومن جملتهم إنسان يُسمّى يوسف كان يتخدّم لشمس الدين الكاتب الذي تقدّم أنه كان هو القائم في ضرب رقبة هذا المسكين لا لغرضٍ عنده، بل لما سنذكره ونعرفه في أثناء الكلام. وكان يوسف هذا ممن يتقاضى أشغال الشمس هذا بالسخونة ومن ألزامه، وحضر مع يوسف هذا شخص آخر يسمّى الشيخ سعيد وهم ينظرون. ولما كثُر اللغَط من العوامّ مع الشيخ علي هذا، وهو يسبّ ويقول بالتركي: لا دين لكم، لأنّه من له دين لا يفعل مع مسكين ما يفعلونه ونحو ذلك. كل ذلك مع سبّه لهم، وهم يزعمون أنه يسبّ من يذكرونه، فبقي بعضهم يقول: كفر الملعون، وبعضهم يقول: يا كافر، والبعض يقول: كفر هذا، وأرادوا من حنقهم منه الفتك به، فاتفق جواز الشهاب ابن عبيد اللَّه في ذلك الحين بهم وهم على تلك الحالة، ورأى الشيخ علي وعَرَفَه، فأخذ يتلطّف بقضيّته معهم، وخلّصه منهم كسراً للشرّ وهذه الثائرة خوفاً عليه، لا سيما وهو عارف بحقيقة حاله، وقد ثار العوامّ عليه ثورة رجلٍ واحد، لأنهم يميّزون مقصده، بل يجزمون بكفره، ولا هو يميّز مقصدهم، فأخذه إلى ناحية وخلا (٢) به وكلّمه بلغته التركية، وكان الشهاب يعرف التركية معرفة تامّة، فقال له: ما لك ولهاؤلاء، ولأيّ شيء تحرج من كلامهم، ولو لم تُحرج لما تسلّطوا عليك، دعهم يتكلموا (٣) بما شاؤوا (٤) ولا


(١) في الأصل: "محمد".
(٢) في الأصل: "وخلى".
(٣) الصواب: "يتكلمون".
(٤) في الأصل: "شاوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>