للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالسلطنة، وقد أُشرب المُلك في قلبه، وبات وطائفته على ذلك. وأصبح في الغَلس، أخذ في الحال في الشروع في عمل مصالح نفسه، ليتمّ له الأمر وما قصده، فقام من وقته، وقد أحضر إليه من مراكيب السلطان فرسًا فركبه، ونزل من القصر إلى جهة باب السلسلة، وبين يديه وحوله جمْعٌ جمّ من جُلبان أستاذه وطائفته وخُشداشيه، ومع بعضهم التّرس والنّمْجاة باشر بهما إلى جانبه، كما هو الدأب مع السلطان، وسار إلى أن دخل الإسطبل، وجاء إلى باب السلسلة بفرسه، ووقف عنده من داخله ساعة جيّدة كالمنتظر.

ويقال: إنّما وقف به ينتظر من تَوَالَى معه من الطوائف على فِعله ذلك، ولعلّ ذلك إن صحّ، إنّما فعلوه ليحرّكوه بحركة يكون سببًا لزواله مع الجُلبان. ثم إذا تحرّك لا يأتوه، وذلك لِما في قلوبهم منهم، لا سيما الأشرفية الكبار والصغار، ودام وراء باب السلسلة، وما زال على ذلك حتى أيس وقنط، وكان في ظنّه أو حدسه أن الهرجة الكائنة بالرُميلة والركوب هرجة من وافقه، فلما تحقّق وتيقّن خلاف ذلك، وأنهم غدروه وما أرادوا إلّا خذلانه، إنْ صح اتفاقهم معه، ظهر عليه الندم الشديد الذي ما عنه مزيد، لكنّه لم يَسَعه التصريح بذلك بين جماعته وأكابر طائفته القائمين معه، لا سيما وهم معه وبين يديه، فما أمكنه إلّا الأخذ في تحريضهم على القتال، وتحصين الإسطبل وصعودهم على أسواره، واستعدادهم للقتال، ومن هذا وأشباهه، وهو يخاطب الجُلبان ويحرّضهم غاية التحريض بأن يكونوا مستفيقين على القتال في هذا اليوم، كل ذلك ظاهرًا، وفي باطنه خلاف ذلك، وهو في بحر افتكار كيف يكون تنصّله من ذلك. وكان ما سنذكره (١).

(ذِكر سلطنة الملك الأشرف أبي (٢) النصر قايتباي) (٣)

وفيه، في يوم الإثنين، سادس رجب، كانت مبايعة الأمير الكبير الأتابك قايتباي المحمودي الظاهري بالسلطنة، وعقد له المُلك له. وكان من خبر ذلك أن خيربك المذكور لما فعل ما فعل، وأصبح في غَلس بُكرة هذا النهار، ونزل إلى باب السلسلة على الوجه الذي ذكرناه، ورأى أنه لم يحضر إليه أحد من العسكر، وندم، ولكنه ما أظهر ذلك، وأخذ في تحريض الجُلبان على قتال التحاتي لما تحقّق بأنهم عليه أخذ الجُلبان في مقابلتهم في بُكرة هذا النهار، ووقع الحرب


(١) خبر خيربك في المصادر السابقة.
(٢) في الأصل: "أبو".
(٣) العنوان من الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>