للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشديد والمقاتلة الهائلة، ولم يدم ذلك حتى انهزم فيها الجُلبان، بعد أن قتل جماعة من الفريقين، وخرج آخرون (١) و [لما] رأى خيربك ما هو فيه من الإدبار أخذ في الطلوع إلى القصر، وهو متيقّن تلاشي أمره وإدبار سعادته، بل زواله بالكليّة، وتحقّق ذلك. وبينا هو في أثناء هذه الفكرة، وغضون هذه السَّكْرة، وقد زادت به الحيرة، إذ بلغه فرار أعيان خُشداشيه وأكابر ذويه والكثير من طائفته وحرسه وجماعته، مثل خُشكلدي، ومُغُلْباي، وآخرين يطول الشرح في عدّهم، فلم يكن دأبه وشغله إلّا مُلافاة هذا الأمر المهمّ، والحادث المُدلهمّ، فبدر بأن توجّه إلى الظاهر تمربُغا، فأفرج عنه من المخبأة، وعمّن كان معه من خُشداشيه الماضي ذِكرهم، وكذا جماعته. وساعة وقوع بصره عليه وقع على رِجليه، ومرّغ عليهما خذيه وهو يقبّل ذلك ويعتذر في ذلك إليه وعمّا صدر منه، ويبكي، وهو في غاية الاستكانة والخضوع، فأظهر تمربُغا القناعة (٢) وقبول عذره، وأخذ في تسكينه وطمأنينة (٣) خاطره وتطييبه، ثم مشى بين يدي تمربُغا حتى أوصله إلى القصر، وأجلسه بمكان السلطنة الذي جلس هو به ليلًا، ووقف بين يديه على العادة، وأعطاه التّرس والنَّمْجاة، وقد انهزم الجُلبان عن آخرهم، ونزلوا من القلعة لا يلوي أحد على أحد. كل ذلك قبل أخذ التحاتي باب السلسلة، فإن من كان به كانوا مشتغلين بالقتال، لا علم عندهم بما كان بالقلعة. وكان الأتابك قايتباي بالرُمَيلة في جموعه، وقد أبطنوا سلطنته بعد توافقهم عليها (٤) فيما بينهم. ولما تم جلوس الظاهر تمربُغا بالقصر أمر من كان عنده من الأمراء بالنزول لمساعدة الأتابك قايتباي، فنزل جانِبَك قُلقسيز، وسودون القصروي، وتَنِبَك المعلّم، وهم من الذين كانوا عند خيربك حين فعل ما فعل، ولم يحبسهم، لأنهم ليسوا من طائفة الظاهرية الذين يختشي الجُلبان منهم الآن، ويقال إنهم أطاعوه وقبّلوا الأرض بين يديه، بل يقال إنهم ونحوهم كانوا السبب في تحريكه على هذه الصفة، ووعدوه ومنّوه حتى تكون ببركته مندوحة لإخوته (٥) وطائفته. وأُعيب على تمربُغا إرساله هؤلاء إلى التحاتي، لأنهم كانوا أكبر القائمين بسلطنة الأتابك قايتباي بعد ذلك في هذا اليوم على ما يقال.

ويقال: إنما نزلوا بعد أن حسّنوا نزولهم للظاهر تمربُغا، فأجابهم إليه، اعتقادًا منه بأنهم ينزلوا وهم من حزبه، من غير أن يعلم أنهم عليه، فكانت هذه من


(١) في الأصل: "اخرين".
(٢) في الأصل: "القنوعة".
(٣) هكذا، والصواب: "طمأنة".
(٤) هكذا، والصواب: "عليه".
(٥) في الأصل: "لأخوت".

<<  <  ج: ص:  >  >>