للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إليه الحمول التي عليها اسمه فلا يقربها أحد من العرب، وربّما ساروا بها من مكان (١) إلى آخر، وكانت قفوله ترد إلى البلاد في وسط البا [دية] في بعض الأحيان على ما قيل وذلك لكثرة إحسانه إلى العرب، وكان يخيط لهم الثياب فيكسوهم بها يبعث إليهم ذلك في كل حين، فاستخدموه لذلك.

(كائنة غريبة عنه) (٢)

وأخبرني رجل من أعيان التجار بتونس وأنا بها في سنة سبع وستين وثمانمائة قال: أخبرني رجل من أهل بلادنا هذه اتفق له من ابن المزلّق هذا حكاية غريبة من النوادر فقال: كنت حججت ورجعت مع الحاج الشامي على دمشق لأنظرها قبل توجّهي إلى المغرب وعزمت على أن أقيم بها مدّة أقضي وطرًا من رؤيتها فيها ثم أتوجّه إلى القاهرة فأعود منها إلى المغرب، وكان خطر ببالي أن أشتري فصًّا من الياقوت أدفعه هدية لصاحب تونس تكون قيمته مبلغ مائة دينار أو ماية وخمسين، ولم أُعلِم أحدًا بما في ضميري من ذلك، بل بقيت أسأل عن الياقوت الجيّد وأنا أتطلَّب ذلك، فبقي الذي يسمعني أقول: أهديه لملك الغرب يظنّ أن ذلك من أغلى فصوص الياقوت الفاخرة، فأرشدني مرشد إلى ابن المزلّق فأتيته فرأيت أمرًا كبيرًا من الرياسة والعظمة والحشم والخدم والوكلاء، فأُدخلت إليه فرحّب بي ثم أخبرته بشأني، فقال لي: حبًّا وكرامة، وأنِس إليّ وأخذ يحادثني عن أخبار المغرب، وأمر بعض خدمه بإحضار الياقوت، فأحضرت إليه علبة فاخرة فيها فصّ (٣) ثم آخر، ثم آخر، ثم عدّد في يدي منها عدّة وقال لي: اختر أنت ما شئت، فاخترت واحدًا قال لي: هذا بستمائة دينار لك ولا أسومك فيه بل أراعيك، ثم حلف لي بأنه يسوى أكثر من ذلك، فاستحيت منه إذ لا قدرة لي على هذا الثمن، وعرق جبيني حياءً منه، فكأنه فطن بذلك فقال لي: من أثمان كم تريد الفصّ؟ فقلت: من مائة إلى مائة وخمسين، فضحك ثم أعاد تلك الأحجار إلى محلّها وأمر الغلام بإحضار علبة أخرى فأخرج لي منها فصًّا ذكر أنه يقرب من الماءتين في الثمن، وأعطاه لي وحلف أنه لا يأخذ ثمنه، وهذا غاية في الفضل والكرم والمروءة كما سمعت. ولما قدمت هذه البلاد بقيت أتفحّص عن أصل هذه الحكاية حتى بعثت إلى دمشق من يسأل عن ذلك من قدماء أصحاب الخواجا هذا لأقف على طرف من ذلك فما تيسّر لي تصديق ذلك المخبر، وسألت: هل أحضر له المغربي الثمن فقبله بعد ذلك أم لا.


(١) في الأصل: "مان".
(٢) العنوان من الهامش.
(٣) في الأصل: "فيها فصًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>