للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحضور تمراز لدمشق أيضًا وإلمامه على جانم واجتماعه به، وقد صدّق هذا الخبر، فأخذ تمراز أيضًا في تحريض جانَم هذا وتحريكه لِما قصده لِما كان بينه وبين إينال من العداوة، وكذا بين ولده، على زعمه بأن الذي فعله معه يوجب ذلك من إعادته من القاهرة إلى دمشق، مع قطع نظره عمّا ولّاه له من التقدمة ألف بدمشق، وما أسداه إليه من المعروف ببعث المال له، إلى غير ذلك، هذا كله مع كثرة فِتن تمراز هذا وطيشه وخفّته وحدّة مزاجه وجنونه وسوء خُلقه، وزيادة على ذلك كله أنه ذا شؤم في جميع حركاته وآرائه كلها كما استُقرئ ذلك عنه فقُبّح عدّة مرار. ولم يزل تمراز هذا ويحيى بجانَمَ وهما يحسّنان (١) له ذلك حتى وافقهما باطنًا على ذلك، ويا ليته دام من وقته ذاك قبل تحرّكهم بالقاهرة لسلطنة الغير كأنّه ربّما صعّب له ما أراد، لكنه تغيّظ قليلًا، ثم وقع له ما سنذكره من قيام العامّة بدمشق عليه لما استشعروا منه الخروج على السلطان، أو لدسيسة من المؤيَّد على ما أشيع ذلك، واللَّه أعلم.

فإنّما [أ] شيع عن المؤيَّد هذا بأنه أخذ بعد خروج يحيى بن جانَم في توسيع الحيلة في أخْذ جانَم بكل ما أمكنه حتى أدّاه رأيه بأن يكاتب أمراء (٢) دمشق وأعيانها بالقبض على جانَم والاجتهاد في ذلك، ولعلّ ذلك ليس ببعيد، لأن الذي جرى على جانَم من أهل دمشق وحكامها الظاهر أنه بدسيسة إذ لا نهضة لهم على فعل مثل ذلك مع مثل جانَم بغير أمر من صاحب الأمر، واللَّه أعلم بحقيقة الأحوال فإن هذه حسبانات وإشاعات حدست، وربّما كان الأمر بخلاف ذلك في الحقيقة، وإنّما ذكرنا هذه الأشياء هاهنا على وجه البيان لِما سيأتي من ذلك حين وقوعه، وليكن الناظر في تاريخنا هذا على بصيرة لِما سيأتي في محلّه.

[انحطاط أمر السلطان المؤيَّد]

وفيه -أعني هذا الشهر- لا سيما في هذه الأيام أخذ أمر السلطان الملك المؤيَّد في زيادة الانحطاط إلى الغاية، ولاحت وظهرت أمارات زوال دولته ونهاية مملكته خصوصًا وقد عدم تدبيره وقلّ مساعده ونصيره بالقول والفعل.

وكنت أنا في هذه الأيام بالقاهرة أحدس الكثير من حقه الذي آل عامّة أمره إليه، بل كان ذلك ظاهرًا لمن عنده، إذ في مسكه من عبد وكامل وهذا كلّه بخلاف ما كان حُدّث عنه في بداية أمره حين تملّكه، فإن تدبيره أولًا كان في غاية الجودة،


(١) في الأصل: "يحسّنا".
(٢) في الأصل: "امرايه".

<<  <  ج: ص:  >  >>