للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ويشكوه إلى صاحبها "عثمان" وولده "المسعود"، ولم يخرج من عنده حتى أعاد له ماله وبيته. وخسر الجواري، وامتُحِن بالسجن (١). ولم تمض سوى أيام قليلة حتى مات أحد أولاد قائد طرابلس في أواخر المحرم ٨٦٨ هـ. فتأسّف عليه أبوه، وكتب المؤلّف معلّقًا: "زاده الله أسفًا على أسفه" (٢).

ثم جرت للمؤلّف حكاية أخرى، وهذه المرة مع شخص يهوديّ الأصل، من بلاد الفرنج، يُدعى "عبد الرحمن"، قدم إلى طرابلس الغرب، وتزوّج بحارة اليهود امرأة واستولدها، ثم سافر إلى القاهرة، ومنها إلى القدس، فوُجد هناك وهو يزني بمسلمة، فأسلم على كُرهٍ منه، وعاد إلى طرابلس الغرب والمؤلّف بها، وأخذ يتودّد إليه، حتى قام في خلاص ولده من امرأته اليهودية، وأخذه معه إلى بلاد المغرب الأقصى، وأحسن إليه غاية الإحسان. وكان ذلك في شهر صفر ٨٦٨ هـ (٣) فلم يقابله اليهوديّ إلّا بالإساءة المؤدّية إلى الهلاك، كما سيأتي لاحقًا.

وفي شهر جمادى الآخر قرّر السفر إلى تونس، وعرف بذلك قائد طرابلس، فخشي أن يذكر أمره للسلطان، فأرسل إليه يستعطفه ويعتذر، حتى حَلَف له، ثم بعث إليه بهدية ليضمن ودّه، فامتنع من قبولها وتوهّم منه، ولم يزل به حتى أخذ هديّته.

[في قابس]

ودخل يوم الأحد ٢٥ من جمادى الآخر مدينة قابس (٤).

[في القيروان]

ودخل بعدها القيروان يوم الأربعاء ٢٨ منه، فأنزله عالمها "أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد البلدي" الشهير بابن البكّوش، وكان مفتيها وخطيبها، بدابى إلى جانب داره، وأنس به جدًا، فأخذ المؤلّف يتردّد على مجالس دروسه، وتلقّى عنه العلم الكثير في الوقت اليسير، مع الاجتهاد وكثرة الترداد، ما بين قراءة عليه وسماع، واستفاد منه نُبَذًا جيّدة في صناعة الطب، وحصّل فوائد جمّة وجليلة للغاية، وأخذ منه الإجازة (٥). وزار أثناء إقامته بالقيروان جبّانتها، وتجوّل بين قبور العلماء والصالحين والأولياء،


(١) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٢ ب - ٧٣ ب.
(٢) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٤ أ.
(٣) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٤ ب.
(٤) قابس: مدينة بحرية صحراوية، بينها وبين البحر ثلاثة أميال، وبينها وبين القيروان أربعة مراحل. لها وادٍ يسقي بساتينها. (الروض المعطار ٤٥٠).
(٥) الروض الباسم ٢/ ورقة ٧٦ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>