للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يشقّ شارعًا، بل ولا علم أحد بنزوله، ولا جلس لرؤيته. ولما وصل إلى الساحل نزل بالمركب الذي قد هُيّئ له، بعد أن وادع (١) من كان معه من الأمراء والأعيان من خُشداشيه، وانحدر من وقته ذلك إلى جهة ثغر دمياط، وسار هو بنفسه من غير مسفّر معه، وسُيّر معه مركوب برسم ركوبه وهو بثغر دمياط وخروجه إلى حيث شاء وأراد، من غير مانع ولا معارض له في ذلك، (وأُذِن له بأن يكون له أربعة من الخيل برسم ركوبه) (٢)، وعُدّ ذلك من أعجب العجائب وأغرب النوادر.

ثم وصل تمربُغا إلى ثغر دمياط، ونزل بها بمنزل أنيق هُيئ له يليق بمثله، فسكنه على أحسن حالة وأتمّها، ومعه جماعة من خَدَمه وحَشَمه وحَرَمه. ومن جملة من كان معه هناك قانصوه خمسمائة (٣) الأميراخور كبير في عصرنا هذا، وهو في خدمته. ولم يزل بالثغر المذكور إلى أن كان منه وله ما سنذكره، ثم نذكر وفاته أيضًا في محلّها من سنة وفاته إن شاء اللَّه تعالى.

وكانت مدّة سلطنة تمربُغا هذا شهران ويومًا واحدًا، والغَلَبَة فيها لخيربك والجُلبان على ما عرفتَ ذلك (٤).

[مكر الظاهرية وحِيَلهم على الأشرف قايتباي]

وفيه -أعني هذا الشهر- لما عاد السلطان إلى القصر بعد تشييعه تمربُغا وتوديعه، أقام به إلى يوم الخميس، والقبض عمّالٌ في جُلبان الظاهر خُشقدم والحبْس و النفي، وفي أثناء ذلك أخذت الظاهرية الكبار على عادتها في الحِيَل والمكر في تخييل السلطان من الأشرفية الكبار والصغار، وتوسيع خياله في أمر تقريبهم، وإبعاد الظاهرية الصغار، وأن ذلك ليس من المصلحة، وذكروا له أنهم أعداء لعيون الأشرفية، وأن العدوّ لا يصير صديقًا، فمال لكلامهم بعد أن أملوه أن يجعل كل طائفة قبالة الأخرى، حتى تنتظم الأحوال، فأطلق غالب من قبض عليهم من الخُشقدمية. وقد عملت الظاهرية عليهم الأيادي، وحمّلوهم الجمايل والمُوان (٥) العظيمة واستجلبوهم، ثم كتب بقود من بعث بإحضارهم


(١) الصواب: "ودّع".
(٢) ما بين القوسين عن الهامش.
(٣) مات (قانصوه خمسمائة) في سنة ٩٠٥ هـ. (حوادث الزمان ٢/ ١٠٣، ١٠٤، بدائع الزهور ٣/ ٤٣٦).
(٤) خبر إخراج تمربُغا في: نيل الأمل ٦/ ٣١١، ٣١٢، وبدائع الزهور ٣/ ٦، وتاريخ قاضي القضاة، ورقة ١٣٨ ب.
(٥) الصواب: "المُوَن" أو "المَوْنات".

<<  <  ج: ص:  >  >>