للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جملته أنْ قال: أنا ما أموت حتى أميت كثيرًا. ثم قال: أنا أعرف من أشاع موتي، ومُراده بذلك الأشرفية البرسبائية والإينالية، فإنه كان يبلغه (١) حركاتهم وما هم فيه من القال والقيل وإظهار الفرح بموته وتصريحهم بذلك. وكان كذلك لما بلغهم ما هو فيه من الانحطاط في المرض والعلامات الدّالّة على موته فصاروا يعرّضون بذلك لأخِلّائه بل ولأمرائه، ويُظهرون الشماتة به وبهم ويفرحون بذلك لغيرهم، وكانوا يشيعون في كل قليل موته ويُرجفون بذلك الكَرَّة بعد الكَرَّة والمعرّة بعد المَرّة، كل ذلك لِما نالهم منه.

وأمّا من عُيّن منهم لتجريدة الصعيد فداموا على ما هم عليه من تصميمهم على عدم الخروج، بل ولا تحرّكوا له البتّة، والسلطان يبلغه ذلك، فيزداد حنقه، ويبعث باستحثاثهم على السفر، وكذا فعل مع الأمراء المعيّنين (٢)، وهو يحرّضهم على السفر، وتردّدت إليهم القصّاد مترادفة من قِبَل السلطان، وهم يعتذرون بأنهم قد خرجوا، وهم ينتظرون من يسافر معهم من الجند، وأنه لم يجيء إليهم منهم الواحد الفرد، ولا يمكنه أن يقول للأمراء سافروا وجدانًا، والجند لا اكتراث لهم بما عيّنوا له، لا سيما وقد جزموا بموت الآمر لهم بالسفر، وبقي السلطان يأمر بالبدْء (٣) فيهم بالسفر، ولا من يلتفت إلى المناداة، وهو يُظهر الجلادة والصبر العظيم. ويوري بمرضه، وأنه ليس ممن يموت منه، وأنه سيقوم، وسوف يفعل ويفعل، وبقي كثير التوعّد، ولو قدّر معافاته لأوقع بأناس كثيرة، لكن أزاله الله تعالى بأن مات عن قُرب كما سنذكره، ثم انقطعت العلامة بعد هذا اليوم لعدم قدرته وزوال مُكنته، حتى ولا بقي له قدرة على القبض على القلم، فضلًا عن أن يكتب به شيئًا، وبل بقي لا يستطيع الجلوس أيضًا، وإنّما هو ملقى على قفاه ولا جرأة لأحدٍ عليه بأن يذكر له قضية عهده لأحد بالخلعة ولا أقلّ من أن يتكلّم في معنى ذلك معه، أو في الوصيّة على مماليكه وخواصّه ولو بينه وبين من يوصي إليه، ولا كلّمه أعيان خاصّته في مثل ذلك لأنه لم يُظهر أنه سيموت أصلًا، ولا عمل بمقتضى الموت ولو خفية، نعوذ باللَّه من طول الأمل حتى في مثل هذا الأمر (٤).

[[طلوع الأتابك وغيره إلى السلطان]]

وفيه، في يوم الثلاثاء، سادسه، طلع الأتابك يَلَباي الأمير الكبير وصحبته


(١) في الأصل: "يبلغهم" وهو سهو.
(٢) في الأصل: "المعينون".
(٣) في الأصل: "البدا".
(٤) خبر محادثة السلطان في: النجوم الزاهرة ١٦/ ٣٠٤، ٣٠٥، ونيل الأمل ٦/ ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>