للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[خروج المؤلّف من مالقة لجهة غَرناطة]

وفيه، خرجنا من مالقة على البغال لجهة غَرناطة، فاجتزنا بطريقنا على بلدة من بلادها يقال لها يكش، مدينة جيّدة، كثيرة الخيرات والفواكه، وبها من التين اليابس والزبيب واللوز شيء كثير (١).

وذكر لي جماعة من أهلها أن المراكب الكبار تأتي إلى بعض السواحل القريبة من يكش هذه، وتوسق من التين واللوز ما شاء اللَّه أن توسِق، وتحمل ذلك منها إلى غالب البلدان النائية عنها. ومع ذلك فلا يظهر نقصُ ذلك ببلدنا.

ثم سرنا منها إلى بلد يقال لها الحامة، وهي من أعظم البلدان نزاهة وحسنًا، وبخارجها مكانان بُنيا على عينين من الماء الحارّ من نبعهما، وبهما بُنيت هذه البلدة الحامة، أحد المكانين للرجال، والآخر للنساء. وليس بهذه البلدة حمّام (٢) غيرهما يجريان بلا تكلّف، ويدخل الداخل إليها للاغتسال والاستحمام من غير أجرة. ورأيتهما مبنيَّين (٣) بنافي عجيبًا محكم (٤) البناء. ثم دخلت الحامة المختصّة بالرجال واغتسلت منها، ثم بتنا بهذه البلدة. وهي ذات سور منيع، وأصبحنا في الغد على الطريق لجهة غَرناطة، فدخلناها في اليوم الثاني صبيحة النهار، وكان ذلك في أواخر هذا الشهر، ورأيت غرناطة فإذا بها بلدة نزهة عظيمة، من أعظم بلاد الأندلس، وهي قاعدة ملك الإسلام بالأندلس، وتخت السلطنة بها، غريبة الوضع، حسنة الأبنية، ظريفة، أنيقة، بديعة الوضع، بها سائر أرباب الصنائع، وهي كدمشق الشام، وبها المياه الجارية والبساتين الآجنة والكروم، وهي مجمع الفضلاء والعلماء والأعيان والشعراء، وأرباب الفنون والعمالات، وبها بقايا الناس، والآثار العظيمة، والأمكنة النزهة، وهي في الجند بقدْر دمشق، لكنها محشُوّة حشوًا، وأهلها من خيار أهل البلاد، وأشجع الناس. يقال إن بها ثمانين ألف رام بقوس الجَرْخ. ومن كانت العامّة من أهل غَرناطة معه من ملوكٍ راج أمرُه، ومن شاؤوا (٥) سلطنته أبقوه، ومن أبوه أخرجوه. وبها الطرائف والآداب والأنداب الغريبة. وبالجملة فهي من أعظم بلاد المغرب وأنزهها.

لقيت بها جماعة من العلماء والفُضلاء، منهم:

٢٨٧ - • شيخنا، سيّدنا، ومولانا، قاضي الجماعة بها، الشيخ الإمام،


(١) في الأصل: "شيئًا كثيرًا".
(٢) في الأصل: "حمامًا".
(٣) في الأصل: "مبنيّان".
(٤) في الأصل: "محكمًا".
(٥) في الأصل: "شاوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>