للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

محفورة نقرًا في هذه البلاطة على هيئة دائرة واسعة، متداخلة النقور، بديعة الصفات، تسُرّ الناظر وتشرح الخاطر، وهي من النوادر، يجول فيها الماء كأنه حنش، وتتعاكس الجولان عدّة معاكسات، غريبة الهيئات، ثم هيّأوا من جملة هذه الضيافة مأكولًا يقال له المجبنة من مأكول الأندلس (١).

(صفة المجبنة) (٢)

وصفته جبن طريّ يُدعك بالأيدي حتى يصير كالعجين، ثم يُعجن الثميد عجنًا محكَمًا مملوكًا جيدًا حتى يصير في قوام عجين الزلابية بهذه البلاد أو أغلظ قوامًا به بيسير، ثم يؤخذ منه قطعة تبسَط بالكفّ بلطافة وشباقة، ثم يُجعل عليها قطعة من الجبن المدعوك، وتجمع حتى يصير الجبن حشوًا لها، ثم يُبسط قليلًا، ثم يُلقى في الطاجن وهو على النار بالدُهن فيُقلَى ثم يُرفع ويُرش عليه السُّكّر المدقوق ناعمًا، ومعه اليسير من الكمّون، وعُمل ذلك بين يدي الحاضرين. وتولى عمله بعضٌ من الجماعة من ظُرفائهم، وكان يومًا معدودًا من الأعمار، سالمًا من الأغيار، اجتمع فيه عدّة من ظرفاء أهل الأندلس وأعيانها من طلبة عِلم وتجّار كلّهم أهل ذكاء (٣).

[مذاكرات علمية وأدبية وتاريخية في متنزّه تونس]

١٧٦ - وحصلت مذاكرات علمية أدبية تاريخية إلى غير ذلك، وكان من جملة الجماعة الكاتب المُجيد الباهر، والشاعر الفريد الماهر، الذكيّ النيِّر، محمد الخيِّر (٤)، المالقي، أحد أدباء بلاده، وشعراء عصره، فأنشدنا في هذا المجلس لنفسه بديهة، وكان قد هبّ النسيم فأنعش بهبوبه، وأذكر المحبّ بحبوبه:

وقالوا: شفاء في النسيم الذي سرى … على مسقط الأنداء وهو بليلُ

ولم يشفِني ذاك النسيم لأنّه … طبيبٌ يداوي الناسَ وهو عليلُ

والخيّر هذا أحد الكَتَبَة بالأندلس من أعيانها، وفُصَحاء شعرائها.

ولد بمالقة في سنة ٨٣١ وبها نشأ.

فقرأ القرآن العظيم، وشيئًا في الفقه وغيره، وتعانى الأدب، وبرع في فنّه،


(١) وصف الجنان انفرد به المؤلف -رحمه الله-.
(٢) العنوان من الهامش.
(٣) خبر المجبنة انفرد به المؤلّف -رحمه الله-.
(٤) انفرد المؤلف -رحمه الله- بترجمة "محمد الخيّر المالقي".

<<  <  ج: ص:  >  >>