للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قضيّة الفرّياني المدّعي أنه المهدي) (١)

٥٧ - وفيه، في أواخره، بعث السلطان إلى نائب القدس مكاتبة يأمره فيها بأن يقبض على القائم بجبال نابلس المدّعي بأنه المهدي، ويجهّزه إلى القاهرة، وحرّضه على ذلك. وكان من خبر ذلك أن شخصاً يقال له شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي الفُرّياني (٢) - بضم الفاء وتشديد الراء وبعدها ياء آخر الحروف وبعد الألف نون - قام بجبال حميدة. ونذكر التعريف به أولاً، ثم نذكر قيامه.

كان شمس الدين هذا مغربيّاً مالكياً، قدم إلى القاهرة من بلاد المغرب في سنيّ ثلاثين أو قبلها، ثم انتقل إلى المذهب الشافعي، وولي قضاء نابلس في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة بعناية ابن البارزي كاتب السرّ، وكان قبل ذلك يتعانى عمل المواعيد بقرى مصر ودمياط وبلاد السواحل، وصار يُداخل الناس مع فكاهة وحُسن عِشرة وكثرة تودّد، وعفَّة ونزاهة نفْس، وكثرة استحضار لأشياء كثيرة، منها التاريخ. وكان قد تردّد إلى الشيخ تقيّ الدين المقريزي تردّداً كثيراً ولازمه مدّة طويلة حتى صار يستحضر الكثير من تخليط زائد، وكان يدّعي معرفة الحديث ورجاله، مع مبالغته في الدعوى لذلك عن من يستجهله، والسكات عند أهل الفنّ وعارفيه. وكان قد دخل حلب وحدّث بها عن البَطَرني.

قال الحافظ ابن (٣) حجر (٤): وما أظنّه سمع منه فإنه ذكر لنا أن مولده سنة ثمانين، يعني وسبعمائة ببلده. قال: وكان البَطَرني بتونس ومات بعد سنة تسعين. ثم ذكر عنه الحافظ اختلاقاً (٥) في أسانيد زعم أنها له، قال: وكلّها مختلفة. وذكر عنه نحواً من هذه الأشياء. وكان راج عند الناس بهذه الأشياء وصار مشهوراً بها عندهم. ولم يزل على ذلك مدّة طويلة، ثم صحِب الأمير عبد الرحمن بن الكوَيز، وتقرّب منه وانقطع إليه مدّة بعد أن ترك الكمال بن البارزي، وكان مقدَّماً عنده، وتنقّلت به الأحوال بعد ذلك إلى أن توجّه إلى الجبال المقدّسة التي يقال لها جبال حميدة وعندها (الجمع) (٦) الجم الغفير من العربان، فنزل عند بعض العشير منهم وداخَلهم وتمكّن من عقولهم واستليشهم في عينه واستخفّهم فدعا لنفسه بأنه


(١) العنوان من الهامش.
(٢) الغُرّيائي: بضم الغين المعجمة، وتشديد الراء. كما ضبطه السخاوي. أما ابن العماد الحنبلي فقال:= الفرياني: بضم الفاء وكسر الراء المشدّدة نسبة إلى فرّيانة قرب سفاقس.
(٣) في الأصل: "بن".
(٤) في إنباء الغمر ٤/ ٢٢٨، ٢٢٩.
(٥) في الأصل: "اختلاق".
(٦) عن هامش المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>