للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المهدي أو القحطاني على ما قيل، فراج بينهم وأطاعوه لدهائه ومكره وحِيَله وحُسن تصرَّفه، وتبعه جماعة من العرب وانضمّ إليه خلق عددهم كثير فاستغواهم ووعدهم ومنّاهم وملأ آذانهم من تلك المواعيد، فانتشر خبره وشاع ذِكره في أواخر هذه السنة حتى بلغت السلطان أخباره فاستشاط على عادته من غير أن يعلم من هو هذا حتى عرف بعد ذلك على ما نبيّنه، فكاتب نائب القدس بأمره بالفحص عنه والقبض عليه وتتبّع أحواله على أتمّ وجه، فبحث نائب القدس عن القضية حين ورد عليه أمر السلطان وفحص عن ذلك حتى بلغه أن شيخ العشير بنابلس وهو الذي يقال له ابن عبد القادر يعرفه فطلبه وسأله عن ذلك، فأنكر أن يكون على اطلاع (١) على مراده، وإنَّما وصل إليه وهو شخص في زيّ طلبة العلم معه عدّة أحمال تشبه أن تكون كتبًا علميّة، وأنه سأل منه أن يجهّز معه من يخفره إلى أن يصل إلى مقصده وفارقوه ولم يعلموا مراده، ولا اطّلعوا على ما في ضميره، ولا عرفوا شيئًا من حاله سوى ذلك، ولا علموا من هو ولا من أين هو، فكاتب نائب القدس السلطان يخبره بذلك، فاستدلّ الناس بأنه الفرّياني، وعرّفوا السلطان بحاله، وأنه كان يدور بقرى الريف ويعمل المواعيد، وذكروا له أحواله.

وأمّا الفُرّياني فلما بلغه تطلُّب السلطان له خاف على نفسه ولا زال حتى خمل وخمد ذِكره، وكان بأخرة يتنقّل بين دمشق وطرابلس، وكان لما يرد إلى طرابلس ينزل بدار ناظر جيشها شرف الدين موسى بن يوسف بن الصفيّ الكَرَكي، وكان يحسن إليه، وانتهى أمره أن مات باللاذقية في سنة اثنتين وستين وثمانمائة.

وكنّا إذ ذاك بطرابلس والوالد بها على إمرة عشرين طرخانًا، وكان عنده من الكتب الشيء الكثير، وكانت مودوعة عند ناظر الجيش المذكور، ومات وهي عنده.

وكان الفرّياني هذا داهية من الدواهي، يُحكى عنه أشياء، مهولة واقتحام أمور عجيبة. وكانت نفسه تحدّثه بأمور كثيرة، منها أنه سيلي الأمر، وأنه سيكون له شأن، ولم يكن يخفي ذلك، بل يصرّح به، لكنْ لأصحابه ومن يطمئنّ إليه.

وأظنّ أن الذي أوقعه في ذلك كثرة اطلاعه على أخبار الناس ومعرفته بأحوال من قام مثل المهدي عُبيد (٢) اللَّه بالمغرب، والمهدي محمّد بن تومرت وغيرهما، فتشبّث بمخيّلته أنه إذا قام جاء منه، على أن ذلك من الممكن، ولم يكن له


(١) في الأصل: "اطلع".
(٢) في الأصل: "عبد".

<<  <  ج: ص:  >  >>