وفي شهر شوال سنة ٨٨٦ هـ. وُلّي الأمير "برسباي المحمّدي الظاهري، المعروف بقَرا" رئاسة نَوبة النُوَب، وصار ناظراً على الخانقاه الشيخونية، فكان أول ما بدأ في حكمه بأهلها، فتسلّط على كثيرٍ منهم بالأذى، وقام بتسمير أبواب خلاويها دون علم علمائها وطلبتها، وأجلى قاطني المدرسة عن مساكنهم، فأضرّ ذلك بالكثير منهم، وتسبّب في مرض بعضهم، وكدّر صفو الآمنين بها، خاصة وأنّ ذلك حصل في أيام عيد الفِطْر، فحوّل أيام السرور إلى نكدٍ وأتراح.
وكتب المؤلّف عن هذه الواقعة صفحة وأكثر، فقال:"وتوجّهت إليه أنا في أثناء تلك الحركة، بل وواجهتُهُ بكلمات فيها النصيحة له إنْ عَرَفَها، وقلت له: هذا البلاء قد عمّ، والفساد قد زاد، وما تفتّق عليه أصله منكم، وما يُدفع هذا الأمر، ولا يزول هذا الفساد إلّا إذا نزل السيد المسيح عيسى ابن مريم. وكلّمناه بكلمات كثيرة من نحو ذلك، حتى استشاط غضبًا، فقلت: لا يُغضَب من الحق".
وأخذ "برسباي" يتردّد على الخانقاه من حين لآخر، وأحضر كاتب غيبتها إلى داره ليؤلّبه على أهلها، وحضر دروسها، واقتحم على ما ليس له ليأخذه، وعرض خزانة كتبها، وأخذ منها عدّة كتب، وادّعى أنه سيطالعها، وذهب بعضها في الكائنة التي جرت عليها، وأخذ منها مصحفًا بخط ياقوت، وخالف بذلك شرط الواقف، وزاد في المخالفة بتعيين اثنين معًا في وظيفة الأحناف، وغير ذلك، وتسلّط نقباء داره ورُسُله على خُدّام الخانقاه وصوفيّتها، وأقام وكيلًا من مماليكه فاستحلّ البراطيل والرِشَى من المؤذّنين والفرّاشين والوقّادين، ومن بعض الصوفية، حتى كثر الدعاء عليه. وتطوّر الأمر إلى فتنة، حيث ثار جُلبان السلطان قايتباي على "برسباي" وصاروا حزبًا واحدًا، وقصدوا داره، وكان أحسّ بالخطر، فأخلى حريمه وكل متعلّقاته منها، ونشب القتال بين مماليكه والجُلْبان، وتعطّلت أحوال الناس، وعزم الجُلبان أن يحرقوا باب داره، فأحرقوا المدرسة المجاورة ليتوصّلوا منها إلى داره، وكان وراء المدرسة تبن ودريس، فاحترق بما حوله، وتعدّى الحريق إلى كثير من دُور المسلمين، ثم أحرقوا من ناحية بابه مواضع من دار المؤلّف - رحمه الله - ووصلت النار قريبًا من دار في الرَبعْ تجاه بابه وديار خلق من السكان، ثم انتهبوها، ونهبوا ديار تلك الحارة بأسرها، وتعدّى النّهْب الكثير من الديار والهجوم عليها، وهُتِك حريم المسلمين، ونهبوا المدرسة الفخرية، وكادت الفتنة أن تتعدّى ذلك إلى ما هو أخطر، من سقوط السلطان والمملكة، وركب الأتابك