للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السهل والجبل، ووقع بينهم حرب شديدة، من قاتل فيها قُتل، ومن هرب ربّما سلِم أو أُسِر، وفيهم من قتل أيضًا. ولما بلغ الأتابك أُزْبَك ذلك أظهر أنه يتوجّه لإحضار من تقدّم من العسكر، وسار قبله كإينال الأشقر ليعودوا (١) نجدة للعسكر الذين في المقاتلة، فتوجّه مُظهرًا ذلك، وفي الحقيقة فائزًا بنفسه، فإنه لم يعد، وقُتل قرقماس الجلب في هذه المعركة، ومن اتفق أن وُجد معه، وهم جماعة كبيرة من الأمراء المصريّين والشاميّين أيضًا. ثم عاد شاه سوار من حيث جاء، بعد أن عاش، وصال واستطال، وقتل ونهب وأسر، وفعل أفعالًا عجيبة في هؤلاء. ولو لم يتقدّم إينال الأشقر والأتابك أُزْبَك وإلّا لكان لهم ما كان لهؤلاء. وصار التركمان يتبعون من مرّ فيلحقونه ويأخذونه أسيرًا، وسبوا الغلمان ونحوهم. وأمّا المماليك فيأخذونهم أسرًا.

ولقد حكى لي من أثق به أن امرأة شابّة كانت في هيئة الرجال وبزيّهم ولباسهم، وكان معها آلة السلاح، وقاتلت وأسرت ستة من المماليك، فأوثقت كتافهم وهم مطيعون خاضعون ثم لما أحضرتهم إلى وطاقهم كشفت عن عورتها وقالت: انظروا، توبيخًا لهم، فنظروا فإذا هي امرأة، فكانت هذه من نوادر الأخبار في هذه الكائنة إنْ صدق من أخبر بها، وأظنّ صِدق ذلك، لِما حصل عندهم من الرعب من التركمان. ويا لله العَجَب، كيف يغفلون عن أنفسهم وهم بين ظهراني العدوّ، وفي بلاده، وهو له الأعيُن عليهم فيهم، وهم لا مروءة لهم أن يفعلوا مثل ما فعل من بعث العيون إليه، ليوقفوهم على ما هو فيه، وما يعزم عليه!

وقُتل جُلّ العسكر في هذه الكائنة، ونُهبت أموال الجميع ممن سلم أيضًا، وبقي منهم شرذمة قليلة ممن فاز مع إينال والأتابك أُزْبَك، وممن كان قد سبق من هؤلاء أيضًا، وجاز المجاز قبل عرقبة الجمال، على أنه أخذ منهم جمع (٢) بعد الفُرجة، وكانوا وراء الجمال إلى جهة حلب، لكنهم كانوا قريبًا، فأدركهم التركمان، ومن فاز لم يعد ولم يَلْو على أحد، وتمّوا على هزيمتهم، وهم يتوهّمون وصول عسكر شاه سوار إليهم، جادّين في سيرهم، إلى أن دخلوا حلب في غاية التعب والعناء والنصَب، والجهد الجهيد، والكدّ الشديد، ولا خبرعندهم فيما جرى لمن وراءهم (٣)، أعني على التفصيل. وأمّا إجمالًا فقد تحقّقوا القتل والكسرة والنهب والأسر، بل ولا بعثوا من يعلم لهم جليّة الأخبار وحقيقة الأحوال، بل لم يصدّقوا بخلاص أنفسهم، ولا عليهم ممن وراءهم (٤).


(١) في الأصل: "ليعودون".
(٢) في الأصل: "جمعًا".
(٣) في الأصل: "ورائهم".
(٤) في الأصل: "ورائهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>