للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

برجوع العساكر إلى حلب، وما أشاع كيفية ذلك للناس. نعم أشيع بأنه قُتل منهم جماعة من الأعيان والخاصكية، وستأتي أسماؤهم في التراجم إن شاء الله تعالى، ثم تحرّر من خبرهم وقضية عَودهم، ما ملخّصه، أنهم لما توجّهوا إلى قتال شاه سوار، وخرجوا جميعًا إلى جهة بلاده، ووقع بينه وبين البعض منهم حرب، وقبض على أخيه مال (١) باي، وفرّ هو على ما تقدّم، فظنّ من بقي من العساكر أنه فرغ منه ومن أمره، فأخذوا في إفساد البلاد وخرابها ونهبها، حتى بلغوا القصدَ من ذلك ونهاية أربهم، وكان هو انحاز إلى جهة، وما بلغوا منه الأرب، ولا نالوا الغرض، فأقاموا بتلك البلاد، وطالت مدّة إقامتهم بها، بعد خرابها، وكان المكان الذي انحاز بقومه مكانًا حصينًا يقال له جبل القرص، لا يمكنهم أن يصلوا إليه فيه. وكان هو قد بعث العيون في العسكر لتجسّس أخبارهم وإعلامه بها شيئًا فشيئًا، وأكّد عليهم في مطالعته بأحوالهم، هذا والعسكر في البلاد من جهة الغلاء، ووقع فيهم القحط الشديد الذي ما عنه مزيد، بواسطة خراب البلاد وإفسادها، وهذا من قلّة رأيهم وتدبيرهم الذي كان فيه تدميرهم. وأبيعت الواحدة من البقْسُماط بثلاثة دراهم فضة، والعليقة الواحدة من الشعير بدينار ذهب، وأبيعت التطبيقة البقل بدينارين، لأجل كثرة المحاجر بتلك البلاد وحفاء الخيل. ومات من المشاة الذين دخلوا مع العسكر إلى تلك البلاد جمعٍ وافر (٢) من الجوع، فوقع اتفاق العسكر على القود إلى حلب، ولو فعلوا هذا أولا لكان أنسب، ثم لما عزموا على ذلك أخذوا في أسبابه، وكان لهم إلى حلب طريقان، أحدهما طريق وعرة مضيقة، والأخرى سهلة واسعة، فقوي عزم الأتابك أُزْبَك على العَود من الطريق الواسعة فسلموا، وسار الأتابك من الضيّقة، وبلغ سوار ذلك، فبَدَرَ بجمع وافر من عسكره، وتوصّل إلى الأتابك ومن معه من العساكر من محارص (؟) يعرفها التركمان، ووصل إليهم وهم في غفلة عنه، ولا شعور لهم به، وأخذ من وصوله إليهم في عرقبة جِمالهم، فاستدّت عليهم الطرق وهم في المضائق. وكان إينال الأشقر قد اتفق أن تقدّم فلم يعد، بل لما بلغه ذلك لم يلْوِ على أحدٍ خوفًا من عساكر التركمان. وأمّا الأتابك أُزبَك فكان يلي إينال الأشقر وخلص قبل دهوم الأمر، وأفا من وراءهم (٣) من العساكر وهم قَرقماس الجَلَب، وسُودُون القصرُوي، وآخرون (٤)، فدهمهم سوار بجنوده، وأحاط بهم من سائر الجهات، وجاءهم من


(١) في الأصل: "يال باي" وهكذا وردت في كل المواضع، وصحّحناها.
(٢) في الأصل: "جمعًا وافرًا".
(٣) في الأصل: "ورائهم".
(٤) في الأصل: "واخرين".

<<  <  ج: ص:  >  >>