للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسُمع صوت (١) من جماعته وهم يقولون: الله ينصر الملك الناصر، فكأنهم لقّبوه بالملك الناصر حين أركبوه.

وشاهدته أنا في ذلك اليوم وهو محتار بالقضية بين القصرين، وكنت أنا في اليوم هذا في ذلك الحين بباب الأشرفية، وشاهدته على الهيئة المذكورة ومعه جماعة عدّة بآلة الحرب والسلاح المشهور (٢)، وشقّوا القاهرة حتى خرجوا من باب زويلة وساروا قاصدين دار قوصون، المكان الذي جرت عادتهم باجتماعهم به في كل وقعة وكائنة تتعلّق بالسلطنة حتى وصلوا فأنزلوه من على فرسه وأجلسوه بالمقعد من الدار المذكورة وهم مختلفو (٣) الكلمة فيما بينهم ولا بهجة ولا لهجة لهم ولا عقل ولا تدبير، إذ لو دبّروا لما أتوا به من مدّة الظاهر إلى هذا المحل بقرب القلعة قبل انتظام رأي سديد وقبل اجتماع الآراء، بل لو كان لهم رأي وتدبير (٤) لأبقوه بمكانه من تربة الظاهر برقوق، وأقاموا عنده جماعة من أعيانهم في هيئة المتوكَّل به، ثم أخذوا في الأُهبة واجتمعوا هناك حتى يستفحل أمرهم وينتظم رأيهم، وحينئذٍ كان يمكنهم أن يفعلوا بعد ذلك ما بدأوا به الآن من إتيانه لدار قوصون، لكن حوّل الله تعالى أبصارهم وبصائرهم لا نورانية بها ولا لها. ولما أجلسوه بدار قوصون ذهب للتهيّؤ (٥) والتجهيز للقتال وتركوه في أناس قليلين (٦) جدًا، حتى توهّم جرِباش أخْذه بقليل من جمعٍ يحضر إليه من بالقلعة، فكان ذلك أكبر أسباب هرب جرِباش بعد ذلك إلى القلعة على ما سنذكره. ولما بلغ السلطان هذه الكائنة جمع عساكره، وبدرت الطائفة الظاهرية بالطلوع إلى القلعة أفواجًا أفواجًا في الحال، وهؤلاء الثائرون في غاية وقوف الحال والإهمال. وقد تدرّع الظاهرية وتسلّحوا ولبسوا لامة الحرب وآلة القتال، وانضمّ عليهم جمع موفور من المؤيّدية وغيرهم. ثم طلع جميع من كان أسفل من الأمراء إلى القلعة، ولم يكن دأبهم في الحال إلّا أخْذ السلطان والنزول به إلى الإسطبل، فأجلسوه بمقعد باب السلسلة، ثم أُمر بضرب الكُوسات (٧) والطبول والزمور والبوقات حزينًا لتهويل الأمر وإرعاب الثائرين من المخالفين، وشرع العسكر الفوقاني (٨) في القتال في الحال، والتحاتي في غاية الانحلال. ولما أخذوا في المناوشة بالقتال، ورأى


(١) في الأصل: "وسُمع صوتًا".
(٢) هكذا في الأصل. والصواب: "المشْهَر".
(٣) في الأصل: "مختلفوا".
(٤) في الأصل: "رأيًا وتدبيرًا".
(٥) في الأصل: "للتهيي".
(٦) في الأصل: "قليلون".
(٧) الكُوسات: صُنوج من النحاس تشبه الترس الصغير، يُدقّ بإحداهما على الأُخرى بإيقاع.
(٨) في الأصل: "الفواقاني".

<<  <  ج: ص:  >  >>