للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المستنجد باللَّه أبو (١) المظفّر يوسف، والقاضي الشافعي الولي السُيوطي، والحنفي المحبّ بن الشِحنة، والمالكي الحسام بن حُرَيز، والحنبلي العزّ الكِناني، فقال لهم يخاطبهم ومن حضر عن لسان حال السلطان ما معناه: إن السلطان قد طرقه هذا الحادث المهم الفظيع، والأمر المُدْلهِمّ الشنيع، وإن في قصده تجهيز العساكر للذبّ عن المسلمين، وليس ببيت المال ما يقوم بذلك، وإن كثيرًا من الناس معهم زيادات في أرزاقهم ووظائفهم وأقاطيعهم وفائض أوقافهم، وإن السلطان قصْده أخْذ ذلك لهذه المصلحة. فمال الخليفة والقضاة إلى شيء، معناه الإجابة إلى ذلك والرضا (٢) به، وإن لم يصرّحوا، وقبل تمام تصريحهم بالرضا (٣) وهم في أثناء ذلك، إذ بعث اللَّه لهم في ذلك المجلس بشيخنا الإمام العلّامة، شيخ الإسلام، الشيخ أمين الدين يحيى بن الأُقصُرائي الحنفي، فحضر وجلس في رتبته، فبدر كاتب السرّ الزين بن مُزْهر بأن أعاد عليه ذلك المقال الذي قاله، فأنكر الشيخ أمين الدين ذلك المقال غاية الإنكار، ثم قال في الملأ العام من ذلك المجلس: لا يحلّ للسلطان أخذ مال أحدٍ من الناس إلّا بوجهٍ وطريق شرعي، ولو نفد جميع ما في بيت المال، فلا يحل له أخذه من أحدٍ شيئًا، حتى ينفد جميع ما في أيدي الأمراء من الأموال والمتاع والأثاث والأقمشة مما لا يُحتاج إليه في الحرب، وكذا جميع ما في أيدي الجند، فإذا لم يبق في أيديهم شيء، ففي ذلك الحين إن كان المهم من الضروريات في الدفع عن المسلمين حلّ ذلك، لكن بشرائط متعدّدة، وهذا هو دين اللَّه. وهذا محصَّل ما قاله الشيخ أمين الدين وملخّصه جمعناه، وإن لم يكن بلفظه، إذ المجلس في ذلك اليوم طال وكثُر فيه اللغط، وطالت المكالمة في ذلك أيضًا بين الأمين الأُقصُرائي والزين بن مُزْهر، ويُظهِر مساعدة الملك ظاهرًا، وهو مع الشيخ أمين الدين في الباطن، بقرائن دلّت على ذلك في أثناء كلاميهما. وكان الخليفة والقضاة بعد ذلك كذلك. ثم أخذ الزين بن مُزْهر كاتب السرّ في تقليل الكلام وبراعة الاختتام، وخُتم الأمر على غير طائل من أهل الشرع لما قصده السلطان، وانفضّ بذلك المجلس، وبلغ ذلك الخاصَّ والعام، فكثُر دعاء الناس في ذلك اليوم للشيخ أمين الدين، وزاد الثناء عليه، وعُدّ ما قاله (من النوادر) (٤)، ومن القيام في اللَّه تعالى والقول بالحق، جزاه اللَّه تعالى خيرًا عن دينه ومروءته.

وكان السلطان في بداية هذا المجلس أظهر أنه يريد السفر بنفسه لقتال شاه


(١) في الأصل: "أبي".
(٢) في الأصل: "والرضى".
(٣) في الأصل: "بالرضى".
(٤) ما بين القوسين من الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>