للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فتواطأ (١) جماعة منهم على الهجوم عليه في ليلة الخدمة بمكان رقاده، وأن يغتالوه فيه ويقيموا من شاؤوا (٢)، إمّا من الإينالية أو الأشرفية الكبار من غير تأمّل في ذلك ولا رأي وتدبير ولا استشارة الأكابر ذوي الآراء والتجارب منهم. وقوي عزمهم على ذلك، فهجم منهم عدّة فوق الستة على السلطان في الخوخة بالقصر، وكان فيهم الاثنان اللذان وسطهما كما سنذكره قريباً. وكان السلطان قد أراد التَّهيُّؤ (٣) للخروج إلى القصر لجلوسه به للخدمة، فلما دخلوا عليه أُلقيت عليهم هيبته لتأخّر أجله () الله تعالى وعدم فراغه، فأحجموا عن قصدهم وتوقّفوا وغُلّت أيديهم، وجبنوا جدّاً، وأخذهم أمر عظيم. ولما رآهم السلطان استراب وقال: ما شأنكهم؟ فبدروا بأن قالوا نقبض على الأمراء بعد أن أحسّ منهم الغدر، وكأنهم هم لما أحجموا أخذوا يعهدوا مندوحة لهجومهم عليه، فكأنهم يُظهرون له النصيحة فقالوا: نقبض على الأمراء، فلم يصدّق أن قالوا ذلك، فقال: افعلوا، افعلوا، مكرّراً ذلك لدفعهم عنه، فخرجوا وهم يسرعون حتى فعلوا ما فعلوا كما شاؤوا (٤) من غير تعيين السلطان المقبوض عليهم هذا هو الصحيح، ورأى السلطان أن الشروع ملزم فما أظنّه إلّا لزوم غلطه، لا سيما وما وقع بعض مصدره للوهم الذين عنده من الظاهرية، بل وظنّ أن الذي فعله مماليكه هو النصيحة له وزال ما كان قد توهّمه من وثوبهم عليه، ثم لم يزل يتفحّص عن ذلك حتى تحقّقه في ليلة الثلاثاء تاسع عشرينه، فإنه لما صلّى العشاء الأخيرة جاء إليه من بلّغه أن جُلبانه، وذكر جماعة فيهم من دخل عليه في اليوم الذي قدّمنا ( … ) (٥) قد أبرموا الاتفاق، وأضمروا الهجوم عليه ثانياً، وأن يفعلوا ما تواصوا به بغيبته، وعلم أنهم في تلك المدّة إنما قصدوه، وأنه إن لم يتدارك هذا الفارط في هذا الليل وإلّا ذهبت روحه، فحار في أمره، وضاقت عليه الأرض بما رحُبت، فلم يجد بُدّاً من الصلح مع الظاهرية والاعتذار إليهم وتطييب خواطرهم، وحرص أن يكون ذلك في هذه الليلة قبل اتساع الخرق عليه أو فروط الفارط، فبدر بأن بعث ليلاً إلى الأمير قايتباي المحمودي شادّ الشراب خاناه يطلبه إليه، وكان يركن له كثيراً ويعتقد فيه الخير والأمانة، ويأمره أن يحضر إليه بجماعة موفورة من أصحابه وخُشداشيه بآلة السلاح، فلم يكن إلّا القليل من الزمن وقد حضر تجمّع وافر أثارهم، وطلع ليلاً من باب السلسلة ومرّ بأكبر جموعه، وتوصّل إلى السلطان من


(١) في الأصل: "فتواطى".
(٢) في الأصل: "شاوا".
(٣) في الأصل: "التهي ".
(٤) في الأصل: "شوا".
(٥) كلمة ممسوحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>