للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

البغال ومعهم الأوجاقية (١) رُدفاء لهم بالخناجر، ومعهم جماعة من العسكر من الجند السلطاني.

حكى لي من أثق به من غُلمان الرَكَبْخَانَاه السلطانية أنه لما قُدّم لتمربُغا البغل حين أُخرج من البرج ليركبه للنزول عليه، قال للركَبْدار محضر البغلة: قدّم إليّ عادت الخزينة للعادة القديمة، وهو مَثَل يضربه العوامّ حين تكرُّر الفِعل بمن يُفعل معه شيء كان قد وقع له مثل ذلك قبله أو نحو ذلك، وإتيان تمربُغا بذلك إلى سابق محبّة على ما عرفت ذلك فيما تقدّم في محالّه، فلما نزلوا بهم من القلعة شقّوا بهم الصليبة مجتازين بهم منها، ولما جازوا على الخانقاه الشيخونية أظهر بعضٌ من أهلها الشماتة بتمربُغا، بل أسمعه ذلك، فإنه كان الناظر عليها، ولربما أساء في حق ذلك المتكلم الذي أظهر الشماتة به، وساروا بهم إلى أن أوصلوهم إلى شاطئ النيل، فأنزلوا إلى مركب، وانحدرت بهم في الحال لجهة ثغر الإسكندرية ليُسجنوا بها. ثم لما انفضّ الموكب أمر السلطان بقية الأمراء بأن يقيموا بالحوش السلطاني، ومنعهم من النزول إلى ديارهم مخافة حدوث حادث أو ثوران فتنة، لا سيما من بقيّة من بقي من الظاهرية. ثم أخذ الناس في القيل والقال في هذا اليوم، ولَهَجُوا بزوال الظاهرية عن آخرهم، وأُرجِف بوقوع فتنة، وكثُر هَرَج الظاهرية ومَرَجُهم واضطرابهم، وتخوّفوا غاية التخوّف، وأوصى الكثير منهم، وعمّ الخوف الناسِ جميعًا، حتى السلطان نفسه، فإنه صار يخشاهم كما كانوا يخشونه، وأخذ كلٌّ حَذره.

وكان السبب في هذه الكائنة على جهة الاختصار، أن السلطان لما قتل نائب جُدّة، واستحسّ بتغلّث خواطر الظاهرية منه، واختشى من عواقبهم، أخذ يُظهر أنه لم يرتّب قتله، ولا كان يأمر به، بل ولا عن عِلمه، وإنّما جُلبانه هم الذين وثبوا عليه، وإنهم إنّما فعلوا ذلك للعداوة القديمة بين الظاهرية والإينالية، فإنّ الذين باشروا قتله كانوا من الطائفة الذين لقوا كتابته عن الأشرف إينال، وأجرى هو عتقه عليهم، وأظهر أنهم إنّما فعلوا ذلك للعداوة وأرادوا بذلك إرضاء الظاهرية من غير أن يأمل أن ذلك لا يطيب على خُواطر جُلبانه إذا بلغهم ذلك، لما بلغ الجُلبان ذلك لم يهن ذلك عليهم، وتوهّموا أن أستاذهم أراد بذلك أن يلقي العداوة بينهم وبين الظاهرية فانعدلوا (٢) فيه البواطن على أستاذهم، وأخذوا يدبّروا (٣) في أخذه،


(١) الأوجاقية: من أوجاق: لفظ تركي، يعني الفرقة العسكرية.
(٢) هكذا واضحة.
(٣) الصواب: "يدبّرون".

<<  <  ج: ص:  >  >>