للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العسكر بالشاش والقماش للموكب السلطاني، وقد أُحضر فرس النَوبة بالسرج الذهب والكنبوش الزركش، فقُدّم للسلطان، ونزل من سلّم مقعد الحرّاقة، فركب بأُبَّهة المُلك، وقُدّم للخليفة مركوب آخر، فركبه وسار أمامه، وسار جميع أكابر الأمراء بين يديه مشاة، وجميع العسكر، وهو في موكب جليل، وفُقدت القبّة والطير، فلم توجد حينئذٍ بالزَّرْدخاناة على ما قدّمنا ذلك في كائنة نقل طوخ الزَّرَدْكاش جميع الآلات منها، ومن جملة ذلك القبّة والطير، خوفًا من مثل هذه الحادثة، فأُحضر السنجق السلطاني ليكون عِوَضًا عن القبّة والطير. فأذِن السلطان تمُربُغا للأمير قايتباي بأن يحملها، فتناولها قايتباي المذكور، حملها على رأس السلطان، وقد ترشح للأتابكية عِوَضًا عنه، وساروا في هذا الموكب الحافل، حتى وصلوا إلى باب سرّ القصر، فنزل به ودخل إليه، وقد هُيّئ التخت لجلوسه، فرُفع إليه وجلس عليه، وقام الكل بين يديه، ثم قبّلوا له الأرض على العادة في ذلك.

وكان جلوسه عليه في بُكرة يوم السبت هذا، سابع جماد الأول من هذه السنة، وذلك في الساعة الثانية من هذا النهار، ووافق الثامن من كيهك من شهور القِبط، ولُقّب في سلطنته بالظاهر أيضًا، وكُني بأبي سعيد أيضًا، وهذا من النوادر كون ثلاثة (١) من السلاطين على التوالي يلقّبون بهذا اللقب، ويكنّون بهذه الكنية، الواحد بعد الواحد، وهم: الظاهر أبو سعيد خُشقدم، والظاهر أبو سعيد يلباي، والظاهر أبو سعيد تمربُغا هذا، وكان ذلك برأي الطائفة الظاهرية، ليدوم هذا الاسم، لأنه عرفهم، وأن يدوم اسمهم. وكان هذا أيضًا من أغرب ما سُمع في سلاطين مصر في موافقة اللقب والكنية على التعاقب. ولما تم جلوسه على سرير المُلك خلع على الخليفة وعلى الأمير قايتباي المحمودي، الذي هو سلطان عصرنا الآن، وكان إذ ذاك رأس نوبة، فقرّره في الأتابكية، وكانت هذه خلعتها من نوادره، كونه تنقل للأتابكية من الرأس نوبة، ولم يكن في ذلك اليوم من هو على إمرة سلاح، فإنه كان قانبك المحمودي المؤيَّدي، وقد اختفى بسبب الكائنة، فإنه كان ممن قام بها. وأما أمير مجلس فكان جانِبَك قلقسيز، وهو من الأشرفية، ولا غرض في التنويه بهم التنويه العام، فعدل إلى قايتباي، لكونه خُشداش السلطان، وعن الظاهرية الحاضرين في ذلك الوقت بالقاهرة، فإنّ أُزْبَك كان قد أُخرج إلى نيابة الشام، ولعلّه لو كان حاضرًا كان هو الأتابك، بل لعلّه كان هو السلطان، لكنّ القضاء جرى بما في وفق القدرة، جلّ وتعالى عن النظير، بيده تصاريف الأمور يُؤْتي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ ممَّنْ يَشَاءُ، ويُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ،


(١) في الأصل: "ثلاث".

<<  <  ج: ص:  >  >>