للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رجله ما وَفَتْه، وهي في غاية الوجع، وأنه متألّم منها. ولم يطُل جلوسه عند السلطان لئلّا يفوته ما قصده، ثم خرج مسرعًا وقد زاد الهَرَج والاضطراب خارج القصر، بحيث فحش ذلك، فقام السلطان منزعجًا وخرج إلى القصر، وحين رآه البعض من أصحاب خيربك وحزبه يفينون عليه الأمر، وينهونه عن البقاء بالقصر، وأخذوا في التحسين، وبأن يعود إلى الخرجة. كل ذلك خوفاً من أن يقطع عليهم ما قصدوه قبل أن يشرعوا فيه، لئلّا يفوت ما هم بصدده، ويركب أياديهم في منع ذلك. فعاد إلى الخرجة وفي نفسه شيء. ثم بعث بطلب خُشكَلدي رأس نَوبة النُوَب، وسأله عن الحال، فأجاب بأنه لا علم عنده بشيء من ذلك، وأنهم في حركة مع بعضهم البعض، في شيء لا يتعلّق بغيرهم، ليسكّنه بذلك، حتى يتم الأمر في الذي قصدوه. وخرج من عنده وقد عظُم الخطب، ودهم الكَرْب.

وكان سبب ذلك الاضطراب ثوران طائفة خيربك وحزبه على بقية خُشداشيهم من طائفة كَسْباي وحزبه، بعد أن تطاولوا وتعارضوا وإيّاهم على مرافقتهم لهم، فامتنعوا عن ذلك، وصمّموا على عدم الحركة، وهم منتمون لكَسْباي ولطَرَاباي، ولا قصد لهم في شيء مما هو في قصْد حزب خيربك، وكان بالمصادفة قد اتفق في هذه الليلة أنه لم يطلع من هؤلاء -أعني حزب كَسْباي- إلى القلعة إلّا القليل. وأمّا أولئك فكانوا على ميعاد. وطلع جميعهم إلى القلعة متفقين على أن يثبوا على السلطان، ويستميلوا بقيّتهم. فلما لم يقدروا على استمالة من حضر منهم، أخذوا في هذه الحركة الزائدة والاضطراب، ثم أخذوا في ضرب كَسْباي وطَرَبَاي المحتسب حتى كادا أن يهلكا، لأنهما لما تكلّموا معهم (١) في القيام معهم، وامتنعا من ذلك، وصمّموا (٢) على عدم ذلك، وأخذا في الدفع عن السلطان بكل ما تصل إليه قدرتهما، وقع منهم ما ذكرناه من الهَرَج والمَرَج والاضطراب في الحركة الزائدة بواسطة التعارض، لا سيما وقد تهيّأوا لِما قصدوه، وما بقي إلا الشروع فيه. ولما رأيا -أعني: كَسْباي وطَرَباي- ومَن حضر من قومهما ذلك لم يوافقوا عليه، فدامت هذه الحركة وهذا الاضطراب بينهم خارج القصر إلى بعد صلاة العشاء الأخيرة، وصلّى السلطان العشاء بالخرجة، وخالف العادة في ذلك، فإنها جرت بأن يصلّي بالقصر بمن حضر معه من الأمراء، ثم يعود إلى الخرجة، فأبطل ذلك لهذه الهرجة، على أنه تيقّن قيامهم، وأن حركتهم هذه عليه، لكنْ ما وسِعه إلا التغافل، ليرى ما يكون، وهو صابر للقضاء، إذ لا يمكنه الآن غير ذلك، لكونه


(١) كتبها أولًا: "معكم".
(٢) الصواب: "وصمّما".

<<  <  ج: ص:  >  >>