للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجقمقيّة، فتوفّرت حرمة تمراز هذا بثغر دمياط، ونفذت كلمته، مع كونه مَنْفيّاً، وأثرى من الدولة بها، وحصّل المال، ولم يزل إلى سلطنة الظاهر تمربُغا، فأمر بإحضاره إلى القاهرة في هذا اليوم كما قلناه، وذلك بعناية قايتباي أيضًا.

ولما تسلطن الأشرف قايتباي صيّره من جملة مقدَّمين (١) الألوف دفعة واحدة من غير تدريج، ثم ولاه كشف الجسور بالغربية، وحصل به نفع في ذلك. ثم بعد مدّة أحضره إلى القاهرة، وولّاه كشف الجسور بالبُحَيرة، بل ولّاه جميع بلاد البُحيرة بعد [أن آل أمرها] (٢) إلى الخراب، فتوجّه إليها، وباشرها أحسن مباشرة، وأحسن إلى العباد وأعمر البلاد، وقمع أهل الشرّ والفساد، وصاحَبَ بها العربان وأحسن إليهم، وركنوا إليه، ووقع بها من الأمان ما لم يوجد بها قبل ذلك من له زمان بالعرف من هذا الزمان، وعفّ، وكفّ، كل ذلك بعد عوده من لاجين (٣)، ومن تجاريد شاه سوار، وبعد القبض عليه، وهو الذي باشر إنزال سوار المذكور من قلعته زمنْطوا بُغية غدره، وإنما خالفه برقوق ويشبُك حتى صار بحلب، ويقسم أنه لو اطّلع على مقصدهما، وأن مرادهما الغدر به ونقص العهد، لما باشر شيئًا مما باشره، وقرّر بعد ذلك في الرأس نوبة الكبرى عوضًا عن إينال الأشقر لما نُقل إلى إمرة سلاح، وباشر ذلك أحسن مباشرة، حتى إنه رتّب لرأس نوبة النقباء ببابه جامكيّة في كل شهر، وجعله مُعَدُّا لمصالح المسلمين، وأمره أن لا يتناول من الخصوم الدرهم الفرد، وجعل لكل نقيب ببابه شيئًا معلوماً، يقال لضمان حقّه إذا توجّه لإحضار الخصم، وزاد دعاء الناس بسبب ذلك له، وعُدّ فعله ذلك من النوادر الغريبة التي لم تقع بمصر من مثله، وتبصر في أحكامه، وربّما صالح عن الخصوم، ووزن من المال من عنده. وكان مجلسه محفوفاً في أوقات حكوماته، بل وغيرها، بالعلماء والقضاة، ولا يخرج في حكمه عن قوانين الشرع، وحصل الرفق العام بنظره على الخانقاه الشيخونية، ونفع الوقف، مع عفّة زائدة عنه، وتفتيش عليه وعلى سائر جهاته. ولم يتناول معلومه الذي شرطه له الواقف، بل كان يصرف منه مرتّبات لبعض أهل العلم من أهل الخانقاه وغيرهم ولوّن بها الأطعمة بمطبخها. وكان له مدّة قد أُبطل منها التلوين. ولم يزل على ذلك، حتى كانت كائنة باينْدر التي قُتل فيها يشبُك من مهدي، وشُغرت عنه إمرة سلاح، فقُرّر فيها تمراز هذا، وولّى رأس نوبة النُوَب عِوضه بَرسْباي قَرَا، فما عفّ عن مال ولا كفّ، وتناول معلومه عن مُدَد آنية، وأخذ الرِشا (٤) على الوظائف، فبئس البديل هو عن ذاك.


(١) الصواب: "من مقدّمي".
(٢) في الأصل: "بعد أولها".
(٣) هكذا تقرأ: "بعد عزول".
(٤) في الأصل: "الرشاي".

<<  <  ج: ص:  >  >>