للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في أيام شادّيته، وكان يقول للوالد: "أبي"، ويتردّد إليه، ويتقاضى أشغاله، ومهمّاته عند السلطان وغيره. ولما تسلطن يلباي ثم خُلع كان هو المتولّي لإخراجه من مخبأة القصر، والتوجّه به إلى البَحْرة، على ما قد بيّنّا ذلك، وكان أحد المعلّمين الرمّاحة في دولة خُشقدم في المحمل، ووُلّي الخازندارية بعد ذلك في هذا اليوم، كما ذكرناه، ودام عليها مدّة، إلى صدرٍ من سلطنة خُشداشه الأشرف قايتباي، على ما سيأتي، حتّى نقله منها إلى تقدمة ألف، وقرّر في الخازندارية عِوضه أُزبَك اليُوسُفي، المعروف بناظر خاص، أحد مقدَّمين (١) الألوف بعصرنا الآن، الماضي ذكره، وخرج في إحدى نوبات شاه سوار صحبة يشبُك من مهدي. ثم استقر به الأشرف قايتباي في الحجوبية الكبرى، بعد موت تمر الوالي، فباشرها مدّة، حتى خرج من نوبة باينْدَر صحبة يشبك الدوادار أيضًا، وأُسر في تلك الكائنة، ودام مدّةً في أسر التركمان، ولم يظهر خبره بعد أن أُرجف بموته بالقاهرة، وأُيس منه، ومع ذلك فما أخرج السلطان وظيفته. واتفق أن حضر وعاد إلى القاهرة.

ولما نقل السلطان الأمير تمراز الأشرفي إلى إمرة سلاح، عِوَضًا عن يشبُك الدوادار، قرّر بَرسْباي هذا في رأس نَوبة النُوَب، فباشرها على بَونٍ عظيم من مباشرة تمراز لها، على ما تقدّم لك وصْف مباشرة تمراز إياها. وأول ما بدأ (٢) في حكمه بأهل الشيخونية، بواسطة نظره عليها، فتسلّط على كثيرٍ منهم بالأذى والتشويش البالغ، زعماً منه بأن ذلك من العدل والإنصاف، وكثُر الدعاء عليه بسبب ذلك، لا سيما حين بعث بتسمير أبواب خلواتها الجميع، من غير سؤالٍ عن علمائها ومشايخها وطلبتها، وذكر أنه فعل ذلك ليميّزها، ولم يميّز شيئًا، ولا أصاب فيما فعل، بل من فعل ذلك من أجله لم ينله أذى ولا شيء (٣) من الضرر، وما نال الضرر إلّا من هو من أهل العلم والخير والاستحقاق وقاطني المدروسة من المتردّدين في غيرهم، فأجلاهم عن مساكنهم، وأضرّ ذلك بحال الكثير منهم، بل وكان سبباً لحصول المرض لبعضهم من تشنططه (٤) عن مأواه، وتأثير البدر فيه، ومنهم: الشيخ العالم الفاضل عبد الحميد، ودام مرضه عقيب ذلك متسلسلاً به حتى مات، وكدّر صفو الكثير منهم، لا سيما، وكان ما فعله في أيام عيد الفِطر،


(١) الصواب: "أحد مقدَّمي".
(٢) في الأصل: "بداء".
(٣) في الأصل: "شيئأ".
(٤) هكذا، وهو تعبير عامّي، ويقال: "تشمطط" بالميم، بمعنى: تفرّق.

<<  <  ج: ص:  >  >>