للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حتى بلغني ممن أثق به أنه أخذ في إمضاء نُزوله بها وبالصِرْغَتْمَشيّة أربعون ديناراً، وما أظنّ هذا وقع لناظر قبله من يوم بُنيت الخانقاه وإلى أيامه، ثم أخذ نقباء داره والرُسُل في التسلّط على جماعة من الخدّام بالخانقاه المذكورة ومؤذّنيها، بل وبعض صوفيّتها (١)، وأقام شادّاً من مماليكه قرّره في الشاديّة، وهي بيد إنسان من الأغوات بمستند شرعي، وصار هذا الشادّ يتسلّط على الفرّاشين والمؤذّنين والوقّادين ونحوهم، وجَلت له البواطيل والرشا (٢) من كثير من خَدَمها، بل وبعض صوفيّتها (٣)، فزاد ابتهالهم إلى اللَّه تعالى بالدعاء عليه وعلى أستاذه بسبب ذلك، حتى جرى عليه المصيبة العظمى والداهية الطّمّاء التي تكاد أنها لم تقع لأحدٍ قبله، على الوجه الذي وقعت له، بل ولعلّها لا تقع لأحد بعده، من ثوران جُلبان الأشرف قايتباي، وقيامهم عليه حزباً واحداً، لقضيةٍ اتفقت له مع بعضهم، سنبيّنها في سنة وقوعها بأتمّ من هذا إن شاء اللَّه تعالى، في الكثير مما ذكرناه أيضًا في محالّه، فيما يأتي، وقصدوا داره، ولو وجدوه بها ودخلوها في تلك الكائنة والنائرة لقتلوه أصلاً ورأساً، ولما لم يظفروا به أخذوا في الهجوم على داره، وكان قد أحسّ بشيء من ذلك، فأخرج حريمه منها، ووزعّ الكثير من تعلّقاته وما يخاف عليه، واختفى بنفسه، وأغلق مماليكه بابه، وحاربوا الجُلبان أعلى الباب، فزاد ثوران الجُلبان، وتحزّبوا في ذلك اليوم، حتى عظُمت البليّة والفتنة، ولبسوا لأمة الحرب والقتال، وتعطّلت أحوال الكثير من الناس في ذلك اليوم، ثم أخذوا في توسيع الحيلة لأخذ داره والهجوم عليها، فأحضروا النيران ليحرقوا بابه، فلم يتمكّنوا من ذلك، فأضرموا النار بمكانٍ خلف المدرسة تجاه المدرسة الأبوبكرية، وكان به تبن كثير ودرس (٤)، فتعدّى الحريق إلى المدرسة وإلى كثير من الدُور من تلك الجهة، ثم أحرقوا مواضع من جهة بابه أيضًا، وتعلّقت النار بما يقرب من داره، وما بِتجاهها من الرَيْع وديار الخلق، ثم أخذوا في نهبها، بل نهبوا ديار ذلك الخط بأسره، وهجموا على الكثير من ذلك، وهُتكت من ذلك حريم المسلمين، وأخذت أموالهم بواسطة شؤمه، ونهبوا المدرسة الفخرية التي إلى جانب داره التي جدّدها الجمال يوسف بن كاتب جكم ناظر الخاص، وجرى عليه وعلى كثير من خلق اللَّه تعالى ما لا خير فيه، وربّما قُتل في هذه الكائنة بعض، وجُرح الكثير من مماليك بَرْسْباي هذا. وثارت فتنة كادت أن تكون سبباً لأمور كثيرة، حتى كادت تتعدّى إلى المُلك والملِك، بل كادت الجُلبان أن تخرج عن


(١) في الأصل: "صوفتها".
(٢) في الأصل: "الرشى".
(٣) في الأصل: "صوفتها".
(٤) في الأصل: "وكان به تبن كثيرًا ودرساً".

<<  <  ج: ص:  >  >>