للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إمامه إبراهيم بن الكرَكي (١) وقتًا على ما زعمه، ذكر أنه اختاره له لطالع سعيد في ساعة الشمس والطالع الثور والزُهرة، وكان ذلك قبل الزوال بنحو الثمانية عشر (٢) درجة، وهذه أول شيطنات ابن الكرَكي، وبهذا فشا رأيه، فإنه أراد بذلك في ذلك اليوم إظهار نفسه، ثم تقرّبه من السلطان. وكان الزَين بن مُزْهِر في هذا اليوم أيضًا من أكبر القائمين بسلطنة الأشرف قايتباي هذا بلسانه وتدبيره، ولا شك أنه عرفها له، ولهذا هو كاتب سرّه من ذلك الزمان وإلى الآن. ولما قُدّم له المركوب ركبه من سلّم الحرّاقة، وسار إلى جهة القصر، والأمراء والأعيان بين يديه، ودَسْت المملكة وهم مُشاة، وهو في موكب حافل في أُبّهة السلطنة. وتقدّم الأمير جانِبَك قُلقسيز فحمل السَّنْجق السلطاني على رأس قايتباي، بعد أن أذِن له في ذلك إيذانًا بأنه الأتابك بعده، ويتعيّن بها جانِبك، وإنّما حمل السنجق لما تقدّم ذلك في سلطنة تمربُغا، بأن القبّة والطير كانت قد فُقدت من الزَرَدخاناة، في فتنة يشبُك الفقيه، ولما وصل إلى باب القصر أنزل به، ودخل إليه، وقد هُيّئ تخت المُلك، فرفعوه وأجلسوه عليه، وقام الكل بين يديه، ثم قبّلوا له الأرض، وتم أمره في المُلك، ولُقِّب بالأشرف، وكُنّي بأبي النصر، باختيار ذلك له الطائفة الأشرفية، وأرضاهم بذلك. ثم خلع على جانِبَك قُلقسيز بالأتابكية في وقته ذلك، على خلاف العادة، وخلع على الخليفة على عادته في ذلك. ثم دُقّت البشائر بسلطنته، ونودي بها بالقاهرة، وطلب الدعاء له، وتعجّب الناس من ذلك، فإن ذلك لم يكن ببال أحدٍ ممن هو أسفل القلعة. وكانت سلطنته من نوادر السلطنات، ومن غرائب الاتفاقات.

وهو السلطان الحادي والأربعون من ملوك الأتراك وأولادهم بمصر، والخامس عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم، وتاسع أو عاشر جركسيّ يُسَلْطن، من غير أن نحسب خيربك. ودام بالقصر، والناس تزدحم عليه لتهنئته بالسلطنة (٣). ولنُترجم الأشرف هذا قبل أن نبتدئ بالشروع بذكر المتجدّدات من الحوادث في سلطنته، وما يضاف إليه من التصرّفات والأوامر والنواهي، وما حدث في مدّته


(١) هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل، البرهان الكركي الأصل، القاهري، الحنفي، إمام السلطان قايتباي. مات سنة ٩٢٣ هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع ١/ ٥٩ - ٦٤، وحوادث الزمان/ فهرس الأعلام ٣/ ١٧٨، والكواكب السائرة ١/ ١١٢، وبدائع الزهور ٥/ ٦٦، وشذرات الذهب ٨/ ١٠٢ - ١٠٤، ومفاكهة الخلّان ٢/ ٦١.
(٢) الصواب: "الثماني عشرة".
(٣) البيعة لقايتباي في: النجوم الزاهرة ١٦/ ٣٩٤، ٣٩٥، ونيل الأمل ٦/ ٣١٠، ووجيز الكلام ٢/ ٧٩٢، والذيل التام ٢/ ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>