هذا الوزارة، وهو قطع أرزاق الناس وقيام الناموس به في هذه الوظيفة، حتى يتوفر عليهم الكثير من جهاتها أو يسدّوها من غير عجز. ولما نزل يشبُك إلى داره واستقرّ به الجلوس تعب بطلب قاسم شُغيتة الذي كان قد ترشح للوزارة حين القبض على ابن الأهناسي، وما تم له ذلك، فلما حضر عنده خلع عليه شبه ناظر الدولة، أو بنظارة الدولة إن شئت، وإن لم يكن ذلك من السلطان، فإنك على بصيرة من كون يشبُك كان يتصرّف كتصرّفات السلطان، فما هو أعظم من هذا، فما ظنّك بهذا الأمر. ثم أخذ يشبُك هذا في الحال في الكشف عن الرواتب في اللحم، ومن له الزيادة في ذلك على أمثاله من الجند السلطاني، فقطع الزيادات كلها عن آخرها. وأما غيرهم من المتعمّمين، وغيرهم فقطع رواتبهم في اللحم عن آخرها، ثم ما كفاه ذلك حتى ألزم جماعة كثيرة بإعادة ما استأدّوه قبل ذلك، ووكّل بكثير من الناس بسبب ذلك وألزمهم بكثير من الأموال، وحصل من ذلك المال الطائل، وهرب كثير من الذين لهم الراتب اللحم من الذين لا مال لهم ولا جاه، وعوّق مرّتبات الكثير من أولادالناس والخدّام وغيرهم.
وكان باسم الوالد عشرة أرطال لحم في اليوم نستعين بها على الحال في غيبة الوالد، وستر الله تعالى، بأن كان القابض لها بعض جُلبان الظاهر خُشقدم، وكان يحضر بها إلى زوجة الوالد الست المصونة أمّ الهدى ابنة الشمس الحنفي. وكان هذا الجَلَب قد تمرّض في هذه الأيام ثم توفي، فسكتوا عنّا بقبض ذلك لها، وإلّا ما كلان حصل علينا الخير، بل كان يحصل لنا من العَوَز مثل ما حصل لكثير من الناس ممن هو أجلّ مقاماً لذلك، ولكنْ سلّم اللَّه وقدّر عاقبة الأمور.
وظهر لبعض الناس من الرواتب فوق الستين رطلاً من اللحم في اليوم، وأكثر من ذلك وأقلّ، لا أصل لذلك، بل كان فعله متشهّداً الوزراء مع من يعتنون به، وبهذا المقتضى تسلّط عليهم يشبُك، ويدّعي بأن هذا لا عن أمر السلطان، وأنه أخذ من بيت المال بغير مستند فليُعد إليه، وكان ذلك ذريعة لأخذ الصالح بالطالح والحق بالباطل، ولأخذ الناس بعضهم ببعض بغير تأمّل، إذ هو المقصد الأعظم للظَلَمة، لأنهم يأخذون بغير سبب ولا حجّة ولا مندوحة، فما ظنّك بما فيه أدنى حجّة، وأجروا ذلك كله على منهج واحد ولم يفرّقوا، بل وصار العاذل عاذراً، وطُلبت المستندات من ذوي المرتّبات، فاحتاج الكثير منهم أن اضطرّوا إلى السُكات عن مرتّباتهم، وحصل من ذلك للكثير من الناس والمستحقّين غاية الضرر والنكد، وإن كان قد فعل مع البعض