للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التاريخ بمدّة، وكان سبب ولايته لها مع قدرة اللَّه تعالى تعريف شيخنا إيّاه للسلطان، فإنّ هذا لا زال بذهنه، حتى ولّاه القضاء الأكبر. فلنترجم قاضي القضاة هذا على عادتنا، فنقول:

ولد بالقاهرة في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وبها نشأ.

فحفظ القرآن العظيم، ثم كُتب ابن الحاجب الثلاثة (١) في الفقه وأصوله والنحو، ونشأ ذكيّاً، زكيّاً، فطِناً، يقِظاً، حاذقاً، فَهْماً، واشتغل، فأخذ العلم عن جماعة من علماء عصره، كالشيخ عُبادة، والزين طاهر، والعلّامة أبي القاسم النُويري، وأذِن له، ثم لازم شيخنا العلّامة السيف الحنفي، وأظنّه أخذ عن الكمال بن الهُمام أيضاً وآخرين من العلماء. ولم يزل مشتغلاً محصّلاً حتى برع ونبغ وشُهر وذُكر، وأفتى ودرّس، وناب في الحكم عن الولي السنباطي فمن بعده، ثم تقلّل من تعاني الأحكام، معٍ الخير والدين المتين، والانجماع عن الناس، لا سيما أهل الدنيا، وخصوصا ذوي المناصب منهم، مع ملازمة الإقراء، والانعكاف على الفتوى، ونفع الطلبة، حتى صار المشار إليه في مذهبه، والمعوَّل عليه فيه، وقُصد بالفتاوى، وأتقن الكتابة عليها، وصار من أعيان المالكية، ومن أَمثلهم طريقة ووجاهة وعفّة. ووُلّي تدريس المالكية بالخانقاة الشيخونية في هذا اليوم كما ذكرناه. وكان بيده قبل ذلك وظيفة بها، ولم يزل على ما هو عليه من الخير والعلم، إلى أن شغر منصب القضاء، بعد صرف البرهان اللقاني عنه، على ما سيجيء ذلك في محلّه إن شاء اللَّه تعالى، فتكلّم فيمن تولّى القضاء، وذكر لذلك جماعة، بل وكتبت أسماء جماعة بقائمة، وعُرضت على السلطان. وآل الأمر أنْ طلب السلطان صاحب الترجمة من غير سعي ولا تحرُّكٍ في ذلك، فولّاه القضاء مسؤولاً (٢) في ذلك، وذلك في يوم الإثنين تاسع شهر رجب سنة ست وثمانين وثمانمائة، وذلك بعد ولاية الزَين زكرياء القضاء الشافعية بخمسة أيام، ونزل في أُبَّهة وموكب حافل، وكان له يوماً مشهوداً، وباشر القضاء بعفّة زائدة، ونزاهة نفْس، وحُرمة وشهامة، وتواضع زائد، وحُسن سمت، وتؤدة وسكون، وحسن مُداراة للناس، والوصول إلى أغراضه الصحيحة على أحسن ما ينبغي بلباقة ولياقة


= ١٨٤، ونيل الأمل ٨/ ٢٠٩ رقم ٣٥٨٤، وبدائع الزهور ٣/ ٢٧٦، ووقع في حاشية "وجيز الكلام أنه مترجم في: الضوء ٢/ ٧٨، وهذا ليس صحيحاً، فهو والده ".
(١) في الأصل: "الثلاث".
(٢) في الأصل: "تولا".

<<  <  ج: ص:  >  >>