وقائلة: مَن في القُضاة جميعهِم … يُلازم تقوى الله طُرّاً بلا ضجر
ويرأف في الأحكام بالخَلْق كلهمَ … ويدعو لهم في كلل ليلٍ إلى السَحَر؟
فقلت لها: فهو الإمام أُولي النُّهَى … وذاك الشهاب العقلانيُّ بني الحجر
له كُتبٌ في كل فنّ لقارئ … وشرخ عجيبٌ للبخاريّ من الخبر
وفي النحو والتصريف لم يُر مثلُهُ … كذا في المعاني والبيان وفي الأثر
فكتب إليه الحافظ جوابًا له قوله، وأنشدنيه الوالد عنه، وناظمه أجازه:
أيا غَرْسَ فضلٍ أثمر العِلم والنَّدَى … فللَّه ما أزكى وما أطيب الثمر
يجود ويُنشئ بالغاً ما أراد … فمُستطلع دُرّ ومستنزل دُرَر
لك الخير قد حرّكت بالنظم خاطراً … له مدّة في العمر ولّت وما شعر
وقلَّدْت جيدي طوق نُعماك جائراً … فعالَا ونُطقًا صادق الخُبْر والخَبَر
مناسبة اسمَينا خليل وأحمد … له أُسّ أُولي النظم الإمام الذي غَبَر
وكتب إليه الوالد أيضاً، وأنشدنيه لنفسه:
نسأل الله بمدحِ وغَزَلْ … عادل في الحكم ولّى وعزلْ
أن يمتّعكم لعُمُرٍ لم يزَلْ … في حِمَى يقين ربّنا مما نزلْ
فأجابه الحافظ المذكور على ذلك بقوله:
أسال الرحمن لي عزّ وجلّ … ولكم صَوناً وحفظاً من وجلْ
أنت نِعم الودّ والخِلّ الأجَلّ … يا خليلَ الودِّ ما دام الأجَلْ
وله مطارحة أخرى لم يحضُرني الآن ما قاله الوالد، وهو مُثبَت بديوانه، وقد مَلَكَه بعض من الناس بعد موته، فلم أظفر به، ولكنّني أستحضر ما أجابه به الحافظ عن ذلك على وزن ما قاله الوالد وقافيته، وهو قوله:
يا أيّها الملكُ الذي لو قصّرتْ … عنّي يداه وقعتُ في الإعسارِ
يامن كساني فضلُه من بعد أن … كانت ملابيسي على عواري
أهلاً بوارده على بُعد المدى … يروي حديثَ عُلاك عن بشار
لما حلفت بأن تمر يد الندى … أبصرتْ من تلك اليمين يسار
فاسلَم ودُم وتَرَقّ وابق على المدى … غيظ العدى وبرّة الأنصار
إنّ الخليل له بأحمد نسبته … شاعت بها الركبان في الأمصار
وغير ذلك من المطارحات بينه وبين جماعة من الشعراء وغيرهم.