للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعد أن غاب بها نحواً من سبعة (١) شهور، وبات بها وجالها شرقاً وغرباً، بُعداً وقُرباً، وفعل بها أفعالاً عجيبة، وأقام بها متنقّلاً من مكان لمكان. وكان من جملة أفعاله ما يُشكر عليه ومنها ما يُذمّ عليه. فمن الذي يُشكر عليه قمع الكثير من المفسدين من العربان وغيرهم وقطع جاذورتهم وعدم محاباته لأحدٍ في ذلك، ومنهم محمود شيخ بني عدي بأعمال منفلوط، فإنه لا زالَ به حتى أخذه، لكنه فعل فعلاً عجيباً، وهو أنه جعله في سيخ وشواه حيّاً على النار، وأقام على منفلوط نازلاً بها بباب المحروق بها على كوم أمر بتمهيده بالجراريف حتى توطّاً له، وكان في أيام النيل، فدام بها مدّة وأباد الكثير من المفسدين، وخَوزَق جماعة حتى وقع رعبه في قلوب الكثير من أهل تلك النواحي، وقعدت البلاد وقَلّ الفساد، وإن كان ذلك بضروب من الأفعال غير (٢) الجائزة شرعاً.

ومن أفعاله التي يُذمّ عليها ظلمه الكبير وجوره وعسفه على كثير ممن لا ذنب له ولا جُرّة في شيء، وأخذ الكثير من الأموال من غير وجهها، بما يطول الشرح في ذكره.

ولما تمثَّل يشبُك هذا بين يدي السلطان خلع عليه خلعة هائلة، ونزل إلى داره في موكب حافل. ثم بعد أيام بعث إلى السلطان بتقدمة هائلة ما بين خيول (وجِمال) (٣) ورقيق، وأعسال وسكاكر وغلال، ومن الذهب النقد العين على ما أخبرني به سيباي العلائي (٤) مائة ألف دينار وثلاثة عشر ألف دينار، ومن الشعير عشرين ألف إردبّ، كل إردبّ بدينارين. وبعث إليه بمخازيم ببواقي بلاد تُحرَّر بنحو الخمسين ألف دينار ونحوها، فكان مجموع ذلك بالبواقي نحو المائتي ألف دينار، وهذا من نوادر الغرائب، وغرائب النوادر التي لم يُسمع بمثلها (٥). فلا حَول ولا قوّة إلّا باللَّه، إنّا للَّه، كيف يكون الجواب عن هذا المال في غدٍ بين يدي ذي الجلال. نسأل اللَّه تعالى العفو والعافية، وأن ينفعنا بالكَفاف وبيسيره علينا، ولا يجعل لنا اعتناء بما فوقه إنه وليّ ذلك والقادر عليه.


(١) في الأصل: "سبع".
(٢) في الأصل: "الغير".
(٣) من الهامش.
(٤) قتل (سيباي العلائي) في سنة ٨٨٥ هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع ٣/ ٢٨٨ رقم ١٠٩٨، ووجيز الكلام ٣/ ٩١٥ رقم ٢٠٧٦، والذيل التام ٢/ ٣٣٩، ونيل الأمل ٧/ ٢٦٢ رقم ٣١٤١، وبدائع الزهور ٣/ ١٦٩.
(٥) خبر عودة يشبك في: إنباء الهصر ١٦١، ووجيز الكلام ٢/ ٨١٠، ونيل الأمل ٦/ ٤٠٩، وبدائع الزهور ٣/ ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>