للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بمذهب مالك، وتارة بمذهب أحمد بن حنبل. وادّعى حميد الدين بأنّ علماء مذهبه أفتوا بأن هذا القول تلاعب، وأن الحكم بذلك لا يصحّ. فسُئل الشمس الصفدي عن ذلك فأجاب بأنه لم يُرد بذلك إلّا اتباع مقالة أبي يوسف صاحب أبي (١) حنيفة تارة، ومقالة محمد بن الحسن أخرى، وغيرهما من علماء المذهب. فأجاب الشيخ حميد الدين بأن هذا الجواب لا يطابق الدعوى، فانتصر بالجواب شيخ الإسلام حافظ العصر ابن (٢) حجر (٣)، رحمه اللَّه، للشمس الصفدي، فقال لحميد الدين في ذلك المجلس: بل يطابق الدعوى إذا أراد الرواية التي عن أبي يوسف توافق مذهب الشافعي مثلاً، والرواية التي عن محمد توافق مذهب مالك مثلاً، فلا يلزم من ذلك أن يخرج عن مذهب الحنفية.

وطال المجلس وكثر الكلام فيه، وآل الأمر بعد ذلك إلى أن قال السلطان: لو ثبت عليه شيء ما كان يجب عليه أكثر من التعزير، وقد عُزّر بإحضاره من دمشق إلى القاهرة. وانفصل المجلس.

وكان لما قدم الشمس الصفدي هذا إلى القاهرة شنّع عليه قبل ذلك الحميد النعماني عند السلطان وغيره بأن نقل له عنه بأنه سُئل مرة عن الحكمة في طواف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على نسائه رضي اللَّه عنهنّ في ليلة واحدة، فنُقل عنه أنه أجاب بأن الحكمة في ذلك أن يعفّهنّ عن الزِّنا. فاستبشع هذا اللفظ، وحصل منه عند السلطان حاصل وغضب غضباً زائداً ظنّاً منه أن ذلك صحيحاً عن المذكور، فأمر بإحضاره وأرسل إليه بريدياً (٤) بسبب ذلك، فتكلّف له مائتين دينار (٥) ذهباً وأزيد عليها من غير جنس المبلغ أشياء أُخَر. ولما حضر إلى القاهرة لم يؤذن له بالحضور إلى بين يدي السلطان، فاتفق حضور جُلُبّان نائب الشام على ما قدّمناه في أثناء ذلك، فشفع له في أن يسلّم على السلطان، فامتنع السلطان من ذلك، وصمّم على أنه لا يأذَن له إلّا إذا عاد الجواب من دمشق وبرئت ساحته مما نُسب إليه.

وكان حين حضر تنصّل من ذلك، وكتب إلى دمشق بتحرير ذلك، فلما لم يعد الشيخ حميد الدين بذلك ولا ما يُشنّع به انتقل إلى شيء آخر، وهو ما ذكرناه، وظهر لكل أحد تعصب الشيخ حميد الدين عليه وللَّه الأمر (٦).


(١) في الأصل: "أبا".
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) في إنباء الغمر ٤/ ١٦١.
(٤) في الأصل: "بريدي".
(٥) في الأصل: "دينار".
(٦) خبر انعقاد المجلس في: السلوك ج ٤ ق ٣/ ١٢١٧، ١٢١٨، وإنباء الغمر ٤/ ١٦١، ونزهة النفوس ٤/ ٢٠٦، ونيل الأمل ٥/ ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>