للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان أمير المؤمنين هذا من سادة بني العباس في زمانه ومن سراتهم وأكرمهم وأعقلهم وأحلمهم، شهماً محتشماً، وقوراً، أدوباً، ديّناً، خيّراً، متواضعاً، حسن السمت والملتقى، ذاهيبة وعفّة، وصدق لهجة، وحُسن عشرة ومحاضرة ومذاكرة، لطيف الذات، بديع الصفات، كثير الصِّلات، وافر الصدقات، وكانت مكاتباته تصدر عنه بما شاء من غير مُعارض. وكان كثيراً ما يجالس العلماء والفُضَلاء، مشاركاً، فهماً، فطِناً.

وقد كان للوالد سريّة استولدها وكانت من أهل الخير والدين، كانت من بيت هذا الخليفة، فكانت تصفه لنا بصفات جميلة، وتذكر عنه خصالاً (١) حميدة يطول شرحها. وقد كان معظّماً عند الملوك.

وولي الخلافة بعد خلع المستعين باللَّه الذي كان بيده السلطنة والخلافة، وكان قد عارضه المؤيَّد في السلطنة، ووليها ولم يزل خليفة حتى تحرّك المؤيدَّ للسفر الشام، فخلع المستعين وبايع لداود هذا، وحمل المستعين بعد ذلك إلى سجن الإسكندرية. واستمر هذا في الخلافة، فقلَّد السلطنة للمظفّر، ولططر، وللصالح، وللأشرف، ولولده، وللظاهر. وخرج مع الأشرف في نوبة آمِد.

وكان كثير الأنس والإكرام في سفرته تلك بالحافظ ابن (٢) حجر، وكثير الاهتمام (٣) به وتفقّده دون غيره من رفقته قضاة القضاة.

وفي ذلك أنشد الحافظ هذه الأبيات يمتدحه بها:

يا سيداً ساد بني الدنيا فهم … تحت لوائه الكريم المقعد (٤)

أمددتني فضلاً وشكري قاصر … فإن أردت الشكر منّي فاقتصِد

أشبهت عباس الندى في المحل إذ … أطاعه العيب وكان قد فقد

إلى أبي الفضل انتهى الجود وفي … أولاده بقيّة نسل تجد

ماجد حتى حار حور خده … إلَّا أمير المؤمنين المعتضد

وناهيك بهذه الأبيات من مثل هذا الإمام فإنه كان خليقاً للخلافة جديراً.

وكان بينه وبين الوالد صحبة أكيدة ومحبّة قديمة، وكلانت مكاتباته ترد من القاهرة إلى الوالد حيث ترده عن هذه البلاد معنْوَنَة بالثناء التام عليه. وكانت مكاتبته إليه: "والده داود بن محمد". وكان يخاطبه بالخطاب المعظّم وينتصر له، ويقوم في أموره، رحمه اللَّه تعالى ورضي عنه وعن سَلَفه الشريف وسُلالته الطاهرة.


(١) في الأصل: "خصال".
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) في الأصل: "وكثير الاهماله".
(٤) في الأصل: "المعقد".

<<  <  ج: ص:  >  >>