للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طلبه إلى القلعة وقدّم له أن يتولّى القضاء فامتنع إلّا بشروط ذكرها، فأجابه السلطان إليها، فأُحضرت الخلعة ليلبسها فقال: قبلت الولاية ولا ألبس خلعة، فعفا عنه السلطان وأعفاه من لبسها، فإنه زعم أنَّها من جهة لا تطيب أو نحو ذلك مما ينبغي التورعّ عنه، وعُدّ ذلك من النوادر حتى قيل: بل لم يقع قطّ أن يتولّى القاضي ولا يلبس خلعة إلّا القاياتي هذا، أعني في هذه الدولة التركية غالبًا، فنزل من القلعة بثيابه البيض وعليه طيلسانة وقد أحضرت له بغلة من دار كاتب السرّ الكمال بن البارزي فركبها ونزل معه جماعة من أعيان الدولة ومباشريها، ومنهم الدوادار الكبير والثاني وهما بين يديه. ولما نزل بالمدرسة الصالحية قام بعض الرسل ليدّعى على الرسم المعهود في مثل ذلك فلم يسمع الدعوى وقال: هذه حيلة، ثم قام منها وتوجّه إلى داره، ثم طلب من له مباشرة في المودع الحكمي والأوقاف وغير ذلك بعد أن هرع الناس للسلام عليه وعلى المنفصل، أعني الحافظ، بل وسلّم كل من القاضيَيْن على الآخر بمنزله. ولما حضر الحافظ ابن حجر للسلام على القاياتي بمنزله تأدّب معه غاية التأدُّب، وأجلسه على مكرُمته، وجلس بين يديه وصار يُظهر غاية الحياء والخشوع، حتى إنه لما بلغ السلطان ذلك تعجّب من مشْي كلّ منهما إلى الآخر وأنكره، بل وصرّح بكلمات.

ومن غريب ما وقع في ذلك اليوم إنشاء الحافظ ابن حجر بأشهر من البيتين، وهما:

عندي حديث ظريف … بمثله يُتَغَنَّى

في قاضيَيْن يُعَزَّى … هذا وهذا يُهَنَّى

فذا يقول: أكْرَهُونا … وذا يقول: أُخرجنا (١)

ويُكرمان ونُهْزا (٢) … بمن يصدُق منّا (٣)

قال الحافظ السخاوي (٤)، أبقاه اللَّه تعالى، لما ذكر هذا: وكان كافّة الناس إلّا من شذّ توهم (٥) أنفا من إنشاد (٦) شيخنا - يعني بذلك الحافظ ابن حجر - قال: مع أنَّها في كتاب متداول بأيدي جمعٍ من الفضلاء، وهو "معيد النِعَم


(١) في: التبر المسبوك ١/ ٢٥٠ "استرحنا".
(٢) في: التبر المسبوك ١/ ٢٥٠ "يكذبان ونهزي".
(٣) الأبيات في: التبر المسبوك ١١٦ (١/ ٢٤٩، ٢٥٠)، ونزهة النفوس ٤/ ٣١٧.
(٤) في: التبر المسبوك ١١٦ (١/ ٢٥٠).
(٥) هنا وُضعت صفحة ٣٣ ب قبل ٣٣ أ قمنا بترتيبها في موضعها الصحيح.
(٦) في: التبر المسبوك ١١٦ (١/ ٢٥٠) "وإنشاء".

<<  <  ج: ص:  >  >>