على ملك مورّثي سودون الجلب وهم أولاد الناصر فرج بن برقوق وهو المتحدّث عليهم، فأجاب ططر بأنه اشتراه من وصيّ سودون، يعني يشبُك الأعرج، فلم تنفعه هذه الدعوى وقال له أيتمش: هذا البيع غير صحيح. وآل الأمر إلى أن جدّد ططر البيع ثانيًا، واشتراه بمائة دينار، ثم جعله شادّ شراب خاناته. فلما تسلطن رقّاه إلى إمرة طبْلخاناه وجعله شادّ الشراب خاناه السلطانية له كما كان عنده حين إمرته، فاستمرّ كذلك حتى ولي الأشرف بَرْسْباي فلم يغيّره من الشادّية، ولتكرّر شادّيته عُرف بالمشدّ. ثم نقله الأشرف بعد ذلك فجعله من مقدّمي الألوف بالديار المصرية، ثم رقّاه إلى الحجوبية الكبرى عِوَضًا عن قرقماس الشعباني لما ولي نيابة حلب، واستمرّ كذلك إلى أن تسلطن الظاهر جقمق، فولّاه إمرة مجلس عن آقبُغا لما ولي نيابة الشام بعد عصيان الجكم والخروج عن طاعة الظاهر. وكانت جميع هذه التنقّلات في مدّة يسيرة حتى عُدّت من النوادر. واستمرّ أتابكًا مدّة وعظُم وضخُم واشتهر.
وكان قد تزوّج بابنة أستاذه ططر ونال السعادة والحُرمة الوافرة. وكان حشمًا وقورًا، عاقلًا، سيوسًا. ولم يُشهر بفضيلة سوى معرفته برمي النشّاب خاصة.
وكان سيّئ الأخلاق، عنده حدّة مزاج وظلم لعائلته وحواشيه، بل وغيرهم.
وكان ذا عُجمة بلسانه، يظنّ الظانّ إذا سمع كلامه أنه أحضر من الجركس في يومه ذلك. وكان غير مُهاب في النفوس في أتابكيّته لوجود من هو أعلى منه في الأمراء، وإن لم يكن في رتبته لكن في قدره، إذ فرق بينه وبين من كان في مقام أستاذه من الظاهرية البرقوقية، ولهذا قدّمه الظاهر جقمق لئلا يتمرغر. وكانت هذه عادة جقمق لا سيما في الأتابكين الامري إلى ولايته إينال الأتابكية مع وجود الجمع الموفور من أعيان أكابر الأمراء خُشداشيه ممن هو أكبر قدرًا من إينال، بل لا نسبة بينه وبينهم. ومما خافه وقع فيه، فإن إينال قام على ولده وخلعه، وتسلطن بعده.
توفي صاحب الترجمة في يوم الخميس ثالث شعبان، وكانت جنازته حافلة، وذفن بتربته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من تربة الأشرف بَرْسْباي، بل ومن تربة الأشرف قايتباي فإنها بينهما، وهي القرية التي أنشأ بها البرهان الكرَكي إمام السلطان مقصورة برسم دفنه، ونقل والده الشيخ زين الدين عبد الرحمن الكَرَكي إلى ما أنشأه بالمقصورة من الفسقية، وإنما توصّل لذلك بواسطة أمّه، فإنها كانت من جواري ابنة ططر زوجة يشبُك وتزوّج بها عبد الرحمن المذكور لكونه كان إمامًا، بل ومؤذّنًا ليشبُك هذا.