للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأصبح أمام التهاني في هذا اليوم متهيّئًا لذلك. ونزل الأمر من القلعة عن لسان السلطان الأشرف إلى الخليفة والقضاة بالحضور إلى القلعة، فلم يكن إلّا القليل من الزمن وقد حضر الخليفة المستنجد بالله أبو المظفّر يوسف أمير المؤمنين، وكذلك قضاة القضاة الأربعة (١)، وجماعة من النواب والموقّعين، وكذلك أعيان الأمراء وأرباب الدولة من أهل الحلّ والعقد. ولما رأى الناس هذه الحركة لم يشكّوا في وفاة السلطان، وجزم الكثير بها، ولم يكره ذلك بل طلبهم هو لعقد السلطنة لولده كما قلناه. ولما تكامل هذا الجمع، وكان ذلك بدهليز الدهيشة جلس الخليفة هو والمقام السلطاني والأتابك حينئذٍ في صدر المجلس وجلس القضاة ومن حضر من الأمراء وغيرهم في مراتبهم على العادة في ذلك كلٌّ بحسب مقامه ومرتبته، ثم دار الكلام بينهم في مرض السلطان ( … ) (٢) على خطّه بعد أن عرفوا بأنه في قيد الحياة، وأنه هو الذي بعث بطلبهم، وأخذوا في الكلام في سلطنة الأتابك أحمد ولده، وأن والده تقدّم منه العهد له بالسلطنة، ولهذا أشار بحضورهم ليكون ما فيه المصلحة للمسلمين. وطال الكلام بينهم في معنى ذلك، فلما رأى كاتب السرّ، وهو إذ ذاك المحبّ بن الشِحنة، أن المجلس طال بَدَرَ من بين الجماعة فتكلّم بكلام معناه أنهم يبايعون المقام الشهابي بالسلطنة على وجه النيابة عن أبيه مدّة حياته مستقلًّا بها بعد وفاته أو ما هو في معنى ذلك، فلم يجب إلى ذلك أحد من الحاضرين لِما فيه من الافتئات على السلطان في حالة حياته، ثم اختشاءً من العواقب، ولم يحسُن ذلك لديهم. وكان قصد كاتب السرّ بذلك تمام الأمر لِما عليه من حال السلطان، وكونه على موت، ولئلّا يطلع أحد على حال السلطان.

وقيل: بل قال ذلك على وجه أن يراجع السلطان ودرس بعضهم بفوائد الحال، ثم اتفق رأي من حضر من أهل الحلّ والعقد على أنهم يدخلوا على السلطان ويسمعوا كلامه في معنى ذلك ليكون أقعد لما قصده ولده، فقام الجميع ممن حضر ذلك المجلس من القضاة والأمراء ما عدا الخليفة وولد السلطان فإنهما بقيا بمحلّيهما من الدهليز المذكور، فدخل الجميع إلى قاعة الدهيشة ليسمعوا كلام السلطان في العهد لولده أو غير ذلك. وكان السلطان متمرّضًا بالقاعة المذكورة، وقد قرُب من الاحتضار وهو مُستلقي لا يستطيع الكلام، فبدأ يونس الدوادار الكبير وشرع في الكلام وكلّمه غير ما مرة في معنى العهد لولده، وهو في غيبوبته، فلا قدر في ذلك على الكلام، فردّد يونس كلامه المرّة بعد المرّة، والكَرَّة بعد الكَرّة،


(١) في الأصل: "القضاة الأربع".
(٢) كلمة غامضة.

<<  <  ج: ص:  >  >>