للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(. . .) (١) ولم يزل على ذلك، وحج أميرًا على المحمل حجّة هائلة على ما تقدّم إلى أن تسلطن حسب ما قدّمناه. ثم حصل للناس بسلطنته من الأمن والأمان ما لا مزيد عليه. وسار في سلطنته سيرة حسنة جميلة، وقمع أهل العناد والفساد، وقطع جادرة قطّاع الطريق بمجرّد حُرمته، فأمنت السُبُل والمجاري في أيامنا فوق ما يؤمّن مع كونه مخالفًا لعادة تبدّل الدول (. . .) (٢)، وخمدت الجُلبان في أيامه فكأنّ أفعالهم ما وقعت قط بعد ذلك الأذى (. . . .) (٣) ثم أخذ في الشفقة على الرعايا، وأظهر غاية العدل والإنصاف، وتجنّب الجور والاعتساف، وانطلقت الألسن بحمده وشكره والابتهال إلى الله تعالى بالدعاء له باطنًا وظاهرًا سرًّا وعلنًا، وسُرّ كل أحد باستيلائه على الأمر، ومالت القلوب إليه، ولم يُذكر عنه في سلطنته ما يشينه سوى تكبّر على أهل التكبّر، لعلّه قصد بذلك قيام الناموس، وإنْ فعل في خلواته مع بعض خواصّه بخلاف ذلك. وكان ذلك الذي يفعله في الخلوات مع خواصّه أكبر الأسباب في معاداته، والسبب الأعظم في زوال ملكه، مع معرفته وكياسته وعدله وسياسته ووفور عقله ورأيه وذكائه وحذقه وفهمه وفطنته وتيقظّه وعلوّ همّته ونفاذ كلمته ووقاره وزيادة حُرمته وحُسن سمته وتؤدته وسكونه، ولم يكن مع ذلك كلّه خاليًا من الفضيلة والطلب مع ما انضم إلى ذلك من حسن شكالته وهيئته وجمال صورته، فلعلّ لم يُر في السلاطين أحسن وأشكل منه طلعةً في القريب والبقية من عصرنا، لا سيما في يوم لبسه شعار المُلك، فلعلّ لم يوجد في ذلك اليوم من أمرائه وأعيان دولته من بدايته في حسن الشكالة، واعتدال القامَة وارتفاعها، وأولى في أيام سلطنته آمِرًا ناهيًا، مستقلًّا بالمُلك، مستبدًّا به من غير مشارك ولا منازع، ولا وصيّ ولا ممانع، ولا مدّبر معه، ولا أتابك يرجع إليه، ولا تعارض برهة من الزمان لم تطُل كانت كالمنام أو أضغاث أحلام، عذرًا في الأيام من أحسن بداية دولة تركية في الإسلام، حتى ثار به الجند لأمرٍ قدّره الله تعالى في الأزل لا ينفع فيه رأي الأواخر والأُوَل لو راموا عدم زواله والكلام في أسباب ذلك طويل جدًا قد ذكرناه لا على الجليّة الأصليّة وتمام القصّة وإن كنّا قد استعصينا فيه، لكنْ لا على وجه أن نستوفيه، وقد عرفته كله فيما بيّناه وأسلفناه.

وهو أول سلطان أيضًا استبدّ بالمُلك من أولاد الناس من غير مدبّر، وأول سلطان منهم حصل الأمن والأمان في بداية دولته، وأول سلطان أنزل نهارًا بسجن


(١) كلمة ممسوحة.
(٢) كلمة ممسوحة.
(٣) كلمتان ممسوحتان.

<<  <  ج: ص:  >  >>