للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالصعيد، حتى أشيع عنه فِراره إلى بلاد السودان وغير ذلك. وأخذ هو في أسباب التوجّه إلى المغرب من على طريق بَرْقَة، وهو في غاية والحذر والتخوّف على نفسه، وما عرف بنفسه حتى دخل برقة، وله في ذلك حكاية تطول.

ثم دَخل طرابُلُسَ، وكنت أنا إذ ذاك قد خرجتُ منها، ودخلها عقيب سفري بقليل، وبلغني خبر قدومه بتونس، ثم قدِمها وأكرمه صاحب تونس وأحسن إليه، حتى اتصل به وأكرمه، ورتّب له شيئًا يكفيه، وأقام بتلك البلاد إلى أن بلغه وفاة (١) الظاهر خُشقدم، فعاد إلى القاهرة بإذنٍ من ابن (٢) عثمان، ثم وصل إليها في أوائل سلطنة الأشرف قايتباي، وطلع إلى القلعة بزيّ الأروام وهيئتهم، فأكرمه السلطان. وأقطعه إنْبابه في الحال بعد أن أخرجها عن الخليفة، وهي إمرة عشرة. ثم صيّر من رؤوس (٣) النُوَب، ثم من الطَبْلخاناة عِوَضًا عن حَمْوه خير بك من حديد لما تقدّم. ثم رقّاه، إلى الأميراخورية الثانية عِوَضًا عن يشبُك جن (٤) حين تقدّم، وباشر هذه الوظيفة مباشرة حسنة، وهي بيده عدّة سنين، وتوجّه رسولًا عن السلطان لابن عثمان. وعاد.

وهو إنسان حَسَن السَمت والملتقى، حَسَن السيرة، غزير العقل، تامّ المعرفة، فصيح العبارة، طلْق المُحيّا، بشوش الوجه، له معرفة وسياسة وكياسة، وحُسن هيئة وشكالة، ولذا قيل له حبيب. وله أدب وحشمة، وعنده سكون زائد ومحبّة لأهل العلم والفضل والفقراء، وله تقرّب للسلطان ويراكبه ويسايره غالبًا، وله عصبية. وخرج في نوبة باينْدُر، وأُسر في جملة من أُسر بعد قتْل يشبُك، وخلّص بعد ذلك، وعاد من تبريز مع من عاد من أكابر الأمراء.

وهذه نبذة من ترجمته، وستأتي تفاصيل الكثير مما ذكرناه كلٌّ في محلّه من تاريخنا هذا إن شاء اللَّه تعالى.


(١) في الأصل: "وفات".
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) في الأصل: "روس".
(٤) جاء في الضوء اللامع ١٠/ ٢٧٦ رقم ١٠٨٦ ما يلي: "يشبك جنب (بالجيم والنونو والباء الموحّدة في آخره) الظاهري جقمق. ترقّى إلى أن صار رأس نوبة ثاني في أيام الأشرف قايتباي حتى مات في ربيع الثاني سنة سبع وتسعين، ونزل فصلّى عليه. وكان ضخمًا متهتّكًا، بحيث قيل إنه مات وهو ثمِل، سامحه الله".
ثم ذكر السخاوي بعد ذلك مباشرة: (يشبك جن. مضى قريبًا)، وهو يقصد الذي قبله، ما يعني أنه: يشبك جنب، ويشبك جن. وذكره أيضًا في وجيز الكلام ٣/ ١٢٨٩ رقم ٢٥٠٣ "يشبك جنب"، ومثله في: الذيل التام ٢/ ٧٠٥، وبدائع الزهور ٣/ ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>