للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قُرب الكفّار من تلك الديار، وأخْذهم غالبَ تلك الأقطار الأندلسية، والكثير من مدن الإسلام التي كانت مشهورة، لا سيما في أيام بني أُميّة، مثل مرسِية، وبَلَنسية، وقُرطُبة، وطُليطلة، وسَرَقُسْطة، وجَيّان، والحصمون المنيعة، كشاطِبة، ونحو ذلك من بلادٍ كثيرة كانت للإسلام، صارت للفرنج الان، فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه.

وكنت قد عزمتُ على التوجّه لرؤية قُرطبة لقربها من غَرناطة، لا سيما والصلح بين المسلمين والكفّار من أهل تلك الديار باق. وكانت تجار (١) طائفتي الإسلام والكفر كل يتردّد إلى بلاد الآخرين، فحصلتْ لي الكائنة التي أعاقتني عن ذلك، وهي ضربة السيف التي جاءت بوجهي من ذلك الإنسان العدوّ للَّه، الماضي خبرُه، الذي أسلم عن اليهوديّة، وسُمّي بعبد الرحمن، وحضر من القاهرة إلى طرابلس الغرب، وخلّصتُ له ولدَه، وتوجّه فدخل في توجّهه لغرناطة، وقَطَنها، ولا على ذهني شيء من خبره، ولا علم عندي من يوم خروجه من طرابلس. وكان لما توجّه من طرابلس جال ببعض البلاد أحتى قدم إلى غَرناطة، (٢) وادّعى بها أنه من الأشراف، وأنه من القاهرة، وأنه عارفٌ بالطبّ، رأسٌ فيه، وأخذ في مُعاداة الناس من أعيان أهل غرناطة وأطبّائها، مع جهله وقصوره في كلل فنّ، وصار يضيّق عليهم في كثير من الأشياء. والعادة جرت بتلك البلاد، بل غالب بلاد المغرب، أن الشرفاء يُراعون، ومهما فعلوا جاز، وأنا لا عِلم عندي بشيء من خبره، ولا بدعواه ما ادّعى، وهو أيضًا لا شعور له بقدومي إلى غرناطة. فاتفق لما أن قدمتُ إليها بعد أيام، بأن سُئلتُ عن إنسانٍ وُصف لي، خاصّة من غير أن يذكر لي واصفُه السائلُ عنه شيئًا من أحواله، لأنني لو كنتُ عرفت أو اطّعلت على صفة دعواه وحاله، لربّما سترت عليه بما لا يضرّني في ديني، فلما وصف لي السائل صفات إنسان سألني عنه، تأمّلت فإذا هي صفات عبد الرحمن الذي ذكرته فيما تقدّم، فعرفته بصفاته، وأظهرتُ لهم ما كان عليه، وما جرى له في إسلامه، وكيف ورد إلى طرابلس، وخلّصت له ولده، وقمت معه، ظنًّا منّي بأنه لا تخفى حاله، وبلغه ذلك، ورأى أنه فسدت حاله وصورته، فأخذ يترقّبني. واتفق أن اجتزت بمكان من أزِقّة غرناطة، يقال له زَنْقة الكُحْل، فسعى وانفرد بي من ورائي، ولا شعور لي به، لآخُذ حَذَري منه، وبيده سيف، فالتفتّ وإذا به معي، وضربني بما في يده من السيف في الغفلة، قاصداً بها كنقي، فأخطأت الضربةُ بشلل يده، كونه يهوديّاً في الأصل، لا خبرة له بضرب السيف، فجاءت بوجهي، فسقطتُ من قوّتها إلى الأرض، وفرّ هو هاربًا


(١) الصواب: "وكان تجار".
(٢) ما بين الحاصرتين إضافة على الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>