للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقاسم هذا موجود إلى يومنا هذا. وهو الوزير في عصرنا هذا أيضًا.

وهو قاسم بن أحمد بن صلاح الدين القرافي، القاهري، ويُعرف بشُغَيتة، لشيء ذكر أنه ببدنه فات من هيئة الجلد المدَلَّى، وما عرفتُ صحة ذلك.

ولد بباب القرافة قُبيل الأربعين وثمانمائة تقريباً، وبها نشأ مُقِلًّا، فتنقّل في عدّة صناعات وحِرَف، منها أنه كان خبّازًا يبيع الخبز بباب القرافة، ثم عرف محمد البَبَائي، وتنقّلت به الحالات عنده، إلى أن جعله صيرفيّ اللحم، وكان خصّيصًا به، فلما غرق البَبَائي أقام الظاهر يحيى بن الصنيعة (١) متكلّمًا في الدولة، ليرى رأيه فيمن يولّيه الوزارة، على ما تقدّم ذلك، فتكلّم فيها نحو الشهر ونصف، ثم طلب السلطان قاسم هذا، فولّاه الوزارة، نقلًا إليها من صيرفة اللحم دفعةً واحدة، من غير أن يلي نظر الدولة، ولا ترشَّح لشيءٍ من ذلك، وجاءته السعادة بغتة، وقال الدهر: أنتم ما ترضون بولاية البَبَائي، سوف آتيكم بغلامه.

وباشر قاسم هذا الوزارة مدّة إلى سلطنة الأشرف قايتباي، فصُرف عنها بالحاج محمد الأهناسي (٢)، المقدّم والد علي الماضي، بعد أن اختفى قاسم هذا، ودام في اختفائه سنة. ثم ظهر، فما التُفِت إليه، ولا عُرّج عليه، حتى وُلّي يشبُك من مهدي الوزارة، على ما سيأتي بيان ذلك جميعه في محلّه، طلب قاسم هذا، وصيّره يشبُك ناظرَ الدولة، بإذنٍ من السلطان، ثم امتُحن غير ما مرة وتكرّرت ولايته لنظر الدولة غير ما مرة، حتى جُعل رفيقًا لخُشقَدم الطواشي، حين وُلّي الوزارة عن يشبُك، وصُيّر ناظر الدولة عند خُشقدم هذا، فأخذا في معارضة أحدهما للآخر، وطال ذلك بينهما على ما قدّمناه في ترجمة خُشقَدم، بل وفي ما سيأتي في محالّه من بعد الثمانين إن شاء اللَّه تعالى.

وآلَ بقاسم أمرُه إلى الاختفاء، حتى احتيط بجميع ماله وموجوده، ودام مختفياً مدّة، وولي بعده نظَرَ الدولة إنسانٌ من القبط، يسمّى موفّق الدين الأسلمي (٣)، وجرت بعده أمور في الدولة، ثم ظهر قاسم هذا، فالتزم التكفية والقيام بأمور الدولة، وشرط أن لا يتكلّم خُشقدم هذا في الوزارة أصلاً، بعد أن حاول أن يستقلّ بها، فما أجيب إلى ذلك، بل أجيب إلى أن يكون هو المتصرّف


(١) هو يحيى، الشرف القبطي، القاهري، يُعرف بابن صنيعة. مات سنة ٨٨٢ هـ. انظر عنه في: الضوء اللامع ١٠/ ٢٦٨ رقم ١٠٦١، ووجيز الكلام ٣/ ٨٩٠ رقم ٢٠٣٢، والذيل التام ٢/ ٣١٢، ونيل الأمل ٧/ ١٨٧ رقم ٣٠٦٥، وبدائع الزهور ٣/ ١٢٧.
(٢) كتب قبلها في الأصل: "يشبك من مهدي" ثم ضرب عليها خطأ.
(٣) كان موفق الدين الأسلمي حيّاً في سنة ٨٩٢ هـ. (نيل الأمل ٨/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>