للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تغافل من بسجن القصر من الوزير الذي كان من جهة المعتصم الماضي ذِكره، وجماعة أُخر معه إلى السجن، فكسروا بابه، ثم خرجوا إلى وسط القصر، وهجموا على عبد اللَّه بن النجار وهو راقد في غفلة، فقتلوه ذبحًا هو وبعض من كان عنده، ثم توجّهوا إلى دار ابن (١) السلطان عبد اللَّه المذكور، فأخرجوه منها، وأرادوا أن يسلطنوه، ثم يصبحوا فيملكون به تِلِمْسان، ويقاتلون به والده، ويمنعونه من دخول تِلِمْسان، فاحتال عبد اللَّه هذا، وكان شابًا حَدَثًا لم يلتح بعد، بأنْ قال لهم: حُبًّا وكرامة وأنا معكم، وفي الباكر يكون ما تريدونه، وأخذ في تحليفهم وتجشيعهم على ما قصدوه، فلم يتوهّموا في سلامته معهم لكونه يملك، فتركوه ليصبح النهار، ثم دسّ ليلًا من عنده من بلّغ عبدَ الرحمن النجار، والدَ عبد اللَّه المقتول بما وقع، وأنه يدركهم، وإلّا اتّسع الخَرْق. فثار عبد الرحمن من ساعته بجمع كبير، وهجم على القصر، فثار الذين قتلوا ولده به، ووقع بالقصر من الخَطب العظيم ما لا مَزيد عليه. ثم غلب النجار عليهم، وقبض على الجميع وقيّدهم، وأعادهم إلى السجن، وبعث إلى صاحبه سلطان تِلِمْسان يُعلمه بالكائنة، فعاد إلى تِلِمْسان سريعًا، وأحضر أولئك فاعترفوا، ثم سألهم عن مشرف واهران، فأجابوا بأنه لم يوافقهم على مقصدهم البتّة، بل وحذّرهم وأنذرهم لما أن تكلّموا معه في شيء من ذلك، وأنهم لما سمعوا مسألته أظهروا الرجوع عمّا قصدوه، حتى رقد، ففعلوا ما فعلوا من غير علمه. واستظهر السلطان ذلك، فوجده كما قيل، فعَرَفَها المشرف هذا، فأطلقه من السجن، وأعاده إلى بلده ليقيم بها بداره، وأعادها إليه، بعد أن كان قد انتزعها منه، وأُعِدّت دار ضيافة، ثم أمر بالوزير ومن كان معه في هذه الكائنة فذُبحوا بين يديه، وحُزَّت رؤوسهم (٢)، وعُلّقت على أبواب تِلِمْسان، وكانوا أحد عشر نفرًا، وكان لهم يومًا مشهودًا (٣).

وبَلَغَنا ذلك ونحن بواهران، فأسِفْنا على ذلك الشاب الحسن، أعني عبد اللَّه بن النجار، لكنّه مات شهيدًا، وكان من أهل الدين والبشاشة وحُسن السمت، والسفارة الحسنة على ما تقدّم ذلك. وسنترجمه في تراجم هذه السنة إن شاء اللَّه تعالى.

٢٨٩ - • وأمّا ولد السلطان الأصغر عبد اللَّه فأكرمه والده، وأحبّه جدًّا زيادة عمّا كان قبل ذلك، وآل به أن ولي تِلِمسان بعد أبيه وأخيه، وهي بيده


(١) في الأصل: "بن".
(٢) في الأصل: "روسهم ".
(٣) خبر الكائنة في: نيل الأمل ٦/ ٢٤١، ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>