للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبسط يده في الظلم بتلك الأقطار الحجازية، واقتنى الكثير من كل شيء، وتزوّج بأربع نسوة، واتسعت دائرته، حتى قيل إنه استولى على فوق الخمسمائة ألف دينار في مدّة أولها سنة تسع وأربعين، وآخرها هذه السنة التي نحن فيها، وكان كثير المتحصل، كثير المعروف، مسرفًا على نفسه، متجاهرًا بالفسق، متهتّكًا فيه، لا يبالي فيما يقال عنه، بل ربّما افتخر بارتكابه المعاصي، مع قلّة مروءة، وعدم غَيرة على حرمة. وكانت داره كالفندق للداخل والخارج من أرباب الملاهي والأطراف والأوباش والعبيد والخدم، مع عدم الستر وهتك الحجاب بين نسائه وجواريه، وبين من دخل وخرج من الرجال إلى داره ليلًا ونهارًا، مع التبذير الزائد الذي عدّه بعض الأوباش المتطفّلين عليه المتعرّضين له والمتعصّبين، فإن ذلك من زيادة سخائه، وكثرة كرم نفسه، وليس كما قالوا، بل هو سَفَه وتبذير في وجوه فاسدة لا لغرضٍ صالح. وكان مع ذلك كلّه يتحمّل عليه ما شاء الله تعالى من الديون.

ولما مات أستاذه جانبك أخذ في التقرّب من أحمد بن العَيني بتمسخره عنده وإضحاكه، والبجاحة له بين يديه، وكان ذلك دأبه قبل ذلك، وراج بسبب ذلك عند أحمد بن العَيني المذكور واختصّ به، حتى كان السبب في تحدّثه مع الظاهر خُشقدم له في أن يتكلّم على بندر جُدّة، وأجابه إلى ذلك، فصار يتردّد إليها متكلّمًا على البندر، وخدم ابن (١) العَيني، وكان يُحضر له المتاجر.

ثم اتفق بأخرة أن خرج الشهاب ابن (٢) العَيني للسرحة الماضي ذِكرها، فاستصحبه معه لعدم صبره عنه، ولزم تعالي الحُمُر من يوم خروجه معه إلى يوم دخوله طندَبا وهو على ذلك، لا يفتر لا ليلًا ولا نهارًا مقدار أربعة أيام، وأثر ذلك في حرارة غريبة، مع حركة السفر، فتأثّر لذلك باطنه، وحدث به القولنج الصفراوي. فاستأذن ابن (٣) العيني في التوجّه إلى المحلّة للتداوي بها، فأذِن له، متأسّفًا على مفارقته إيّاه، وأخذ في التلهّي عنه بالصيد ونحوه. وحُمل هو إلى المحلّة للتمرّض بها وعولج، فلم ينتج له حال، فأخذ في القلق جدًّا. ثم أدّاه رأيه المخبول إلى دخول الحمّام ظنًّا أن ذلك مما يشفيه، وما عرف أن المنيّة فيه. ولما خرج من الحمّام حصل له أرق وقلق وسهر عظيم، فبعث في تلك الحالة بطلب المغاني وأرباب الملاهي إليه، فسامروه في ليلته تلك، وقطعوها بسخف زائد وفسق وفساد، وأصبح من غد يومه ذلك وهو في حالة غير مُرْضية.


(١) في الأصل: "بن".
(٢) في الأصل: "بن".
(٣) في الأصل: "بن".

<<  <  ج: ص:  >  >>