للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نهار هذا اليوم أخذ في الاحتضار من بكرة النهار، ثم أخذ في النزع، ولما رأى خواصّه ما هو فيه وقطع الإياس عن حياته أخذوا في تدبير ما يكون، وكان أنْ عيّن هؤلاء الخواصّ والكبير فيهم هو خيربك الدوادار الثاني والباقي كالأتباع للسيد، ولما رأوا حال السلطان على ذلك اضطربوا وماجت القلعة، وكثُرت الحركة فيها، وحدث بها أمور يطول الشرح في ذكرها، إذ لا فائدة في ذلك لقلّة رأي من (. . .) (١) عنهم، والملخّص من ذلك أنه لما كان وقت الصحوة الكبرى من هذا اليوم اجتمع الأمراء الأكابر والأعيان بالإسطبل السلطاني، وجلسوا بالمقعد منه عند الشبّاك أحمد بن العَيني الأميراخور الكبير، وتصدّر الأتابك يَلَباي في صدر المجلس ذلك، وحضر تمربُغا أمير مجلس، وهو لسان الطائفة والمتكلّم عن القوم، ولم يحضر قَرَقماس الجَلَب أمير سلاح، ولا يشبُك الفقيه الدوادار لإقامتهما بساحل مصر لأجل سفرهما على ما تقدّم. وحضر في هذا المجلس أيضًا قانِبك المحمودي، ومغلباي طاز. ولم يحضر قايتباي سلطان عصرنا الآن، مع أنه كان من مقدَّمين (٢) الألوف واكتفى بحضور خيربك، وتمربُغا، وغيره من الظاهرية، وحضر كبير الطائفة الخُشقدمية وهو خيربك الثاني، ثم ابتدأ خيربك هذا بالكلام بما معناه أن السلطان في النزع فكأنه وقد قضى، فانظروا في هذا الشأن. فدار بينهم الكلام وكثُر جدًّا. ثم آل الأمر فيه إلى أن أجمعوا على أنه إذا مات خُشقَدم فالسلطان بعد الأتابك يَلَباي، ورضوا كلهم بذلك، وكذلك رضي تمربُغا وخيربك. وكان ذلك كله على خلاف الظنّ، وإن كان هو القياس بالنظر إلى العادة، فإن الأراجيف كانت عَمّالة بأن السلطنة بعد خشقدم، إمّا لابن العَيني يختاره الجُلبان فلا يعارضهم في ذلك أحد، أو لخيربك. وكان ذلك هو الظنّ الغالب، وما عداهما كيَلَباي، وتمربُغا، وقَرَقماس الجلب، بل وآخرين، فكان ظنًّا أيضًا، أكثره ليس بغالب.

ثم لما أجمعوا على سلطنة يَلَباي تكلّم بعضٌ من الحاضرين ممن له ذِكر في أن القصد الأَيمان والحَلَف من الأتابك بما يقع به الاطمئنان لهم. فأجاب إلى ذلك -أعني يَلَبَاي- وأُحضر إليه مصحف شريف، فتناوله بيده فتكفم بكلام معناه أننا نحن نخشاكم فحلّفناكم ونحن نحلف لماذا وعلى ماذا، وكان هذا أول مخالفات خيربك. ثم انفضّ هذا المجلس على ما ذكرناه. ونزل الأتابك يَلَباي إلى منزله، وبين يديه أكابر الأمراء وقد ترشح للسلطنة، كل ذلك قبل الزوال والظاهر خشقدم


(١) كلمة ممسوحة.
(٢) الصواب: "من مقدَّمي".

<<  <  ج: ص:  >  >>