للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واتفاقهم مع الخُشْقدمية عليهم، وقام وإيّاهم أتمّ القيام، على أنّ له الجُلبان ومَن هو من حزبهم، ثم يكون المقرّبون وذوو (١) الأمر والنهْي هم وأعيان خُشداشيهم. وكان هذا الرأي رأيًا حسنًا لا بأس به، بل كان رأي حزم وتدبير صادر عن عقل تام ومعرفة وخبرة زائدة وحنكة. لكنْ لو لم يطّلع أولئك عليه، ولا على كون السلطان هو المدبّر له، بل اطّلعوا عليه قبل تمامه، فأخذوا في نقضه قبل انبرامه، ولم يطّلع من دبّره على أنهم اطّلعوا عليه، ففات الحزم بسبب ذلك، وضاقت فيه المسالك، وعلم الظاهرية الخُشْقَدمية أن الغرض من ذلك إنزالهم من القلعة، بل إزالتهم ومن هو على طريقتهم أصلًا ورأسًا، ليستبدّ يَلَباي بالأمر، فيقبل الظاهر يَلباي ومن معه على ما هم عليه من إطلاع أولئك، وكان جُلّ غرض يَلباي إزالة الجُلبان، بل وبعض الظاهرية، وإذا تحرّكت الفتنة يُظهر هو أنه لا غرض له عند أحد، ولا معه، ثم يأخذ في التحيّل في عمل مصلحة نفسه على يد غيره، ويُظهر بأنه كالحَكم بين من أثار الفتنة وبين الجُلبان، حتى يأمر بنزولهم على جهة المصالحة بينهم وبين الثائرين، كأنه أرضى الطائفتين قبل أن يتقاتلوا، ويُظهر صورة الصلح بينهم، وأنهم إذا اجتمعوا ثم قاموا يقال هو غير ذلك. ثم نزل إليهم لمنزل يشبُك الفقيه هو وجماعة من الظاهرية الكبار، ثم إنْ قدر على إزالة الجلبان أصلًا ورأسًا فعل، و [إ] لّا فلا أقلّ من أن يُصلح بينهم لكبت هذه الفتنة بنزولهم. ثم إذا استفحل أمره بعد ذلك يفعل ما يشاء، هذا بعد أن يركب (٢) التحاتي ويعلنوا بالقيام عليه قبله، ويبعث هو إليهم فيسألهم عن غرضهم من ركوبهم ما هو؟ مُظهِرًا بأنه لا شعور له بشيء مما هم فيه، فبالضرور أن يجيبوا بأنّ جُلّ غرضهم التساوي، كونهم أسفل القلعة، لأنهم لا تعجبهم حال الجُلبان، وأنهم لا طمأنينة لهم بهم ولا بخيربك وغيره من الخُشْقدمية، ولا يريدون أن يكون كل إنسان إلّا فيما هو بصدده، ولا يداخلون السلطان ويقلّبونه على التعالي، ويفعل لهم ما يختارونه (٣)، ولكون هذا القول عندما يظهر غلبة الجُلبان وتلاشي أمرهم، فإذا أذعنوا للنزول وخلت القلعة منهم استبدّ هو حينئذٍ بالأمر، وفعل ما في ضميره. ولقد كان هذا رأيًا صائبًا كما بيّنّا، ولكن لو لم يطَّلع أولئك عليه كما ذكرناه، أو لو نزل هو في أول الأمر فخنق الكائنة لأتى بيانها، أوْ لو أذِن لهم بأن يطلعوا إليه حين تظاهروا بالركوب يدًا واحدة إلى القلعة قبل اطّلاع الجُلبان على الحال والوقوف عليه، ثم يأخذوا في أسباب تمام ما دبّروه، حتى يتم لهم ذلك، لكن لا مفرّ من القَدَر، وإذا نزل القضاء غمّ البصر، ففات هذا المقدار من الرأي، وفات التحاتي التدارك، كما سنذكره


(١) في الأصل: "وذوي".
(٢) في الأصل: "يركبوا".
(٣) في الأصل: "يختاروه".

<<  <  ج: ص:  >  >>