للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجموع التي كان وقع الاتفاق معهم على ذلك، فحضر الجميع إلى منزل يشبُك هذا، وهُرعوا إليه من كل جانب، ووردوا عليه، وأظهروا لامة الحرب والقتال، فتدرّعوا وتسلّحوا، واجتمع على يشبُك هذا من الخلائق ما لا يكاد أن يُعدّ ولا يُحدّ، من كل طائفة، ونالت الزُّعْر من العامّة والعبيد معه، وكانوا جمعًا هائلًا حافلًا إلى الغاية، وبلغ ذلك مَن بالقلعة، فخافوهم الخوف الشديد الذي ما عنه مزيد، وبَدَرُوا بلبْس آلة الحراب والضراب، واضطّربت القلعة وماجت، و [لو] قصد إلى جهة القلعة وضربها بقدمه قبل تمام أمرهم واطّلاعهم على حقيقة ما دبّره هو والظاهر يَلَباي، لكان له شأن وأيّ شأن، لكنه لم يخرج وتقاعد، فلم ينتج من أمره شيء (١)، ولا من أمر من كان معه في البيان، لعدم مَن يقوم بأمرهم، وكانت المندوحة في تباعد يشبُك عن الركوب بنفسه، والسبب فيه ما قدّمناه لك من تواعده مع السلطان، حين وقع اتفاقه معه وتواطؤه (٢) في أمر هذه الوقعة، بأنه ينزل إليه ومعه الظاهرية الكبار، ظنًّا منه أن ذلك في وُسْعه، وفاته الحزم في ذلك، وما فكّر في كونه يصير كالأسير، بل ومحكومًا عليه في قبضة خيربك ومن معه من حزبه، حين اطّلاعهم على باطن القضية، فكان كذلك. وكان يشبُك لم يعلم بذلك، فبقي في هذا اليوم كأنه مقيّد عن البيان، لأنه في انتظار أن يأتيه السلطان، ففشل بسبب تواعده الكثير من جمعه، بعد أن خاف منهم مَن بالقلعة ومن الخُشقدمية خوفًا شديدًا، ولما رأى القَلْعيّون عينها، أخذوا السلطان، ونزلوا به إلى باب السلسلة للإسطبل، فأجلسوه بالمقعد المُطِلّ على الرُميلة، وهم غافلون عن مواطأته مع يشبُك، ظانّين بأن يشبُك حنق من السلطان، وقام عليه يطلب الأمر لنفسه، ثم شرعوا في قتال أصحاب يشبُك ممّن أُسِر بالرملة منهم، وهو جالس بداره، والعساكر تخرج منها أفواجًا أفواجًا، ويقصدون الصليبة، وتنزل الجُلبان إليهم من القلعة، فتارة يقع القتال والحرب بينهم بوسط الصليبة وتارة بالبياطرة بسفل الخانقاه الشيخونية، وتارة برأس سُويقة عبد المنعم.

وكنت أنا في ذلك اليوم في أوائل النهار بالخانقاة الشيخونية، فكانت التحاتي تأتي إلى القتال، ويحرّضون بعضهم البعض، بعد [أن] يقول بعضهم لبعض: ما ركب الأمير؟ على جهة الاستفهام، ويَعْنون يشبُك الفقيه، فيقال: لا تفتر همّتهم وعزائمهم، ولا زالوا متطلّعين إلى غلبة أخصامهم، مستشرفين لأخذ القلعة في ساعتهم تلك. وتقاعد يشبُك في هذا اليوم لأمرٍ قدّره اللَّه تعالى، ولا يقربه حتى


(١) في الأصل: "شيئًا".
(٢) في الأصل: "وتواطيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>