للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بقي الزُعر يقولون للجند ألّا يتوجّهوا للأمر فتركبونه ويُحطّم حطمة واحدة، وينقضي بالفعل، فإن القلعيّين في غاية الخوف منّا، ألا أمضوا إليه واغْصِبوه على ركوبه، وتزحف الحربية زحفة واحدة، فنأخذ القلعة، وكان يبلغ يشبُكَ ذلك، وهو مع ذلك متقاعد جالس بداره، وهو يحرّض على القتال، منتظرًا نزول السلطان إليه براية العسكر، غير مفكّر فيما هو فيه يَلَباي، على أن يلباي كان في هذا الوقت قبل إطّلاعه على باطن القضية يمكنه أن يطلب مركوبًا، وينزل بنفسه في الحال، قائلًا: أنا أنزل إليهم بنفسي، وأنظر لِمَ (١) قاموا هذه النائرة، وادعُهم يفعلون (٢) بي ما شاءُوا (٣)، بل أنا الذي أخرجتهم من الأمر، وانظر ماذا غرضهم من قيامهم، وكان لا مانع له من ذلك في بكرة النهار، قبل الاطّلاع على ما كان وقع به من العوالي (٤)، فإنهم ما عرفوه، ولا اطّلعوا عليه إلّا بعد حين، لكنّه المسكين كان بريئًا، ودَهَمَه الفِكر، وبقي يختشي أن يطّلعوا على مقصده، ويظنّ أن يشبُك إذا استبطأ (٥) نزوله إليه ركب بنفسه، فطلع هو إليه، ولهذا لم يقتحم النزول إليه، ولا اهتدى إلى أن يرسل إليه بإعلامه، بأنه يختشي من إطّلاعهم، ويأمره بأن يركب ويجيء إلى باب السلسلة، ويشبُك أيضًا لا مروءة عنده بأن يقوم فيركب، ويتلافى الأسر بنفسه، لا سيما بعد أن اطّلع على مقصد يَلَباي وتواطئه مع يشبُك، فبقي يشبُك قبل الاطّلاع ينتظر طلوع السلطان، والسلطان ينتظر يشبُك، حتى فَرَط الفارط، واطّلعوا على مقصدهم، وباتوا طواء عليه، وكان ذلك في آخر النهار، فأخذ القلْعيون، وهم خيربك وحزبه ومن عنده، يدَبّرون الأمر في ذلك، حتى غلب تدبيرهم على تدبير أولئك.

وكان من خبر ذلك أنه لما زاد القتال في هذا اليوم بين التحاتي ومَن بالقلعة من الجُلبان بحرب الفواق غاية الحيرة، وداخَلَهم الخوف الشديد، وكان أمر التحاتي أن يروج وينتج إنْ لو كان يشبُك ومن معه من الأمراء قد حضروهم وركبوا بنفوسهم، لكن لم يتّفق له ذلك لِما قدّمناه. ودام القتال بين الفريقين في شوارع الصليبة من أول النهار إلى آخره، وقُتِل منهم طائفة متعدّدة من الفريقين، وتباطأ (٦) الناس والزُعر، يشبُك الفقيه ومَن عنده من الأمراء ونحوهم. وظنّوا أن تقاعده عن القتال بنفسه عجْزًا منه عن مقاومة مَن بالقلعة، وكان هذا سببًا لانتكاسه وخموله، وبداية انحلال أمره وانحطاطه، ونَفَرَ عنه أكثرُ الخلق، بعد أن كانوا قد قاموا بهمّةٍ


(١) في الأصل: "لما".
(٢) في الأصل: "ودعهم يفعلوا".
(٣) في الأصل: "ما شاوا".
(٤) في الأصل: "النوالي ".
(٥) في الأصل: "استبطاء".
(٦) في الأصل: "تباطاء".

<<  <  ج: ص:  >  >>