للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعزم قويّ، وكان أكثر نفْرهم إلى ركوبه، وهو لا مُرُوّة عنده في أن يقوم فيركب بمن معه.

واتفق لي آخر هذا اليوم إلى أن اطّلع خيربك وحزبه على مقصد الظاهر يَلَباي وتواطئه مع خُشداشيه، على ما أشرنا إلى ذلك آنفًا، فدبّروا ما قدّمنا ذِكره من اتفاقهم مع الظاهرية والصغار، ومن هو من حزبهم، فاستمالوهم في الحال، وقالوا: هم أيضًا من غير تأخير، لا سيما وقد اتفقوا معهم على سلطنة تمربُغا أو من شاءه (١) الظاهرية من أعيانهم باختيارهم، ثم أخذ الظاهرية الكبار في استمالة الأشرفية الكبار، على ما بيّنّا ذلك، بل والصغار أيضًا على ما تقدّم. ومن هذا الوقت أخذوا في الاحتياط التام بيَلَباي، واختشوا من نزوله إلى خُشداشيه، فصار موكَّلًا به في أيديهم كالأسير، ولم يعلم يشبُك الفقيه ذلك، إذ لو علمه لبَدَر لهدم القلعة قبل تمام رأيهم. ولما تمّ رأي هؤلاء وأبرموا أمرهم مع الظاهرية، أخذوا من ذلك الحين في إنكائهم للظاهر يَلَباي والازدراء به ومقتوه، ولوّحوا له بما يكره، بل وصرّحوا له به من بعضهم في وجهه، وصار محصورًا معهم، وطال عليه ذلك في بقيّة يوم الخميس، وكان جالسًا على المدوّرة، والأتابك تمُربُغا جالس بين يديه، وقد رُشح للسلطنة، والظاهر يَلَباي على عِلم ذلك لقرائن صريحة في ذلك. ثم ترادف بعد انبرام الرأي طلوع بعض الطوائف إلى القلعة في يوم الجمعة، كما سنذكره، لما انبرم رأيهم في آخر هذا اليوم على ما ذكرناه، وأصبح يوم الجمعة سادس جماد الأول، أصبح العسكر على ما أمسوا عليه من القتال، لكن لا بذاك اليوم والجزع الشديد، وكان ذلك بعد الاتفاق المذكور، وانبرام الرأي على زوال المؤيّديّة. ودام القتال في هذا اليوم أيضًا، كل ذلك ويشبُك الفقيه بقلّة رأيه وتدبيره الفاسد جالس إلى مقعد داره، مشغول بتحصين بابها وحيطانها، والناس تتعجّب من ذلك وما الغرض منه، وباللَّه العجب كيف يقوم الواحد من هؤلاء بأمرٍ مَهُول، فيه الخطر العظيم وتلاف الأنفس، ويقدم على مثل ذلك، وهو غافل عن تدبير عدوّه الذي هو بين ظهرانيه وإلى جانبه. فرحم اللَّه الملوك الأُوَلى ذوي الآراء والحنكات والتدابير، الذين كانوا يحسبون حساب أعدائهم (٢) على البُعد المديد، ويتعرّفون أخبارهم وما هم فيه من الآراء، فيعملون بمقتضى ما يظهر لهم، وهؤلاء مع قربهم من أعدائهم وارتكابهم هذه المشاق والأخطار، لا يتنسّمون الأخبار، ولا يجول في الرأي أفكارهم، ولا يعرفون الأحوال، وما ذلك إلّا خذْلان


(١) في الأصل: "شاوه".
(٢) في الأصل: "اعداهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>