للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من اللَّه تعالى بعد الظاهر، ونقصان بعد الكمال والتكاثر، ليظهر فِعل الفاعل الكبير، وليعلم أن اللَّه على كل شيء قدير، فدام قتالهم كما قلناه من أول هذا النهار إلى آخره، والتحاتي يكادون من غبْنهم من عدم ركوب يشبُك الفقيه أن يأكلوا أيديهم، فبقي يحرّض بعضهم البعض في أن يحسّنوا ليشبُك ومَن عنده من الأمراء الركوب، وكلّما تكلم مع يشبُك في مثل ذلك أجاب بما لا فائدة فيه ولا طائل تحته، وشغله الأخذ في تحصين حيطان داره وبابها، ونصب عليها المدافع والنفوط، وسَتَر، وحَصّن، ظنًّا منه أن السلطان سيأتيه، ولا علم عنده بما السلطان فيه من أمره، وحصْره، والتوكيل به ولا مروءة له في إرسال من هو كالجاسوس ليفهم الأخبار وإعلامه بها، ولا ليَلَباي أيضًا فرأوه (١)، ولا عنده دُربة، ولا يتعدّى إلى أن يبعث من شاء خفية ليشبُك يُعلمه بالحال، وما هو فيه من الحصر، على أن كل ذلك مما هو ممكن لهما، لكنْ ما اهتديا إليه، ولا وُفِّقا بأن يعرّجا عليه.

ثم وقعت أمور يطول الشرح في جُمَلها، فضلًا عن تفاصيلها، فيها من الحِيَل من الظاهرية، والمكائد التي لا تُعدّ من استمالتهم الأشرفية الكبار بطريقة يعجز عنها ساسان. ولما مالت الأشرفية الكبار إلى العسكر الفوقي، على ما أشرنا إليه إجمالًا فيما تقدّم، وفارقوا يشبُك، اختلّ أمر الأشرفية الصغار -أعني الإينالية-، فمالوا أيضًا مع الفواقي، لا سيما وقد أشاع الظاهرية أن غرض المؤيّدية الانفراد، وهم أعداء لكم بالطبع يا أشرفية، وإن كانوا أصدقاء لك، فقد ظهرت عداوتهم، فما بقي إلّا أنهم إذا تمكّنوا أو الوفاء وإيّاكم، ونحو ذلك من الأشياء، فاتفق الجميع على المؤيّدية، وقد مات حزم المؤيّديّة وعزمهم الجدلي الإبتداء بتباطُئهم وتقاعدهم وعدم الجسارة، وما نظروا إلى قول من قال: من جسَر كسر، ومن هاب خاب، ولا بقول الشاعر: وفاز باللذّة الجسور. على أن ذلك لجسور مفرّ، فما بالك بالمجسور الغالب، وما حضر يشبُك بأن للتأخير آفات. وأما بقيّة من كان مع يشبُك من السيفية وغيرهم، فإنهم لما رأوا تقاعده، ووقع القيل والقال في الجماعة، وظهر فرار الأشرفية إلى الفواقي بالقلوب، قبل الشروع فيه، فترت عزائمهم، وبردت هممهم، وتقاعدوا عن القتال، بل ذهب الأكثر منهم، ووهنت المحاربة وظهرت أماير خذلان يشبُك وطائفته، بعد أن كان لهم العزم والهمّة العالية، والقيام بالقلب، والغالب في القتال، وكان جيدًا في مناديه من سائر الجهات، ولا سيما العبيد والزُعر، حتى لو ركب يشبُك في الميادين وحطم لما


(١) في الأصل: "فروه".

<<  <  ج: ص:  >  >>