للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وتنقّلت به الأحوال، حتى مَلَكَه الظاهر جقمق في حال إمرته على وظيفة الأميراخورية الكبرى، فربّاه، وأدّبه، وهذّبه، وقرّبه، واختص به، وأدناه إليه، وأحبّه لنجابةٍ كانت به. وهو روميّ الجنس أرنؤوتي (١) العشيرة. ولم يزل عند الظاهر حتى تسلطن، فصيّره خاصكيّاً وسِلَحداراً، وزاد اختصاصه به وتقريبه إياه، ثم صيّره خازنداراً، ثم أمّره عشرة في سنة ستٍ وأربعين، عِوضًا عن آقبردي الأشرفي الأميراخور، ودام مدّة على ذلك، إلى أن نُقل إلى الدواداريّة الثانية، عِوضًا عن دَولات باي المؤيَّدي، لما نُقل إلى تقدمة ألف، فباشرها تمربُغا هذا بحُرمةٍ وافرة وعظمة زائدة وشهامة وأُبّهة. وحج أميراً على الأول، ثم المحمل، وزادت شهرته، وبعُد صيته، ونالته الوجاهة والسعادة، وقُصد في كثير من المهمّات من سائر البلاد والأقطار، حتى من غير هذه المملكة، وصارت الأمور مَنُوطة به، وكثير من تعلّقات المملكة راجعة إليه، وصار الدوادار الكبير بالنسبة إليه كآحاد الدوادارية الصغار. ولم يزل على هذا المَهْيَع، وبيده أزِمّة مملكة أستاذه، وله فيها كبير تدبير، وعن رأيه ومشورته تصدر الآراء، إلى أن مات أستاذه بعد أن تسلطن ولده المنصور عثمان، وكان تمربُغا هذا هو الآمر الأعظم في سلطنته على الكيفية الماضية. وضخُم تمربُغا زيادة عمّا كان عليه، وارتفع قدْره أضعاف ما كان، حتى صار هو المدبّر لمملكة ولد أستاذه، وبيده الحلّ فيها والعقد، وهو صاحب الأمر والنهي لصِغر المنصور، ولم يكن له إلّا مجرّد الاسم فقط، وهو الحسّ، وتمربُغا هو المعنى، لا سيما لما قبض المنصور على جماعة من المؤيّدية دَولات باي الدوادار الكبير وغيره، على ما مرّ في محلّه. وكان ذلك برأي تمربُغا هذا. ثم وُلّي الدوادارية الكبرى عِوضًا عن دَولات باي المذكور، فزادت مهابته وعظُمت حرمته، والمرجع كله في أمور المملكة إليه، واعتماد المنصور في جميع أموره عليه، ودام على ذلك مدّة المنصور، لكنها لم تطُل حتى كانت الكائنة التي خُلع فيها المنصور، ودامت تلك الفتنة والواقعة سبعة أيام، كما عرفت ذلك فيما تقدّم، وكان ذلك كله بتدبير تمربُغا هذا، فإنه هو الذي كان القائم بتلك الحروب في تلك الأيام المتوالية، وهو المتولّي ذلك جميعه، وإليه المرجع فيه، وإن يكن قد كان عند المنصور من هو أعلى رتبة من تمربُغا هذا، كتَنَم من عبد الرزاق (٢) أمير مجلس، وقانباي الجركسي أميراخور كبير، لكن التدبير في أمر القتال كان إليه، والمعوَّل فيه عندهم كان عليه.


(١) ارنؤوتي= أرنؤوطي.
(٢) مات (تَنَم من عبد الرزاق) في سنة ٨٦٨ هـ. وقد تقدّمت ترجمته فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>