للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأظهر بالقلعة من القوّة والصبر والجلادة على القتال والإقدام الزائد ما يُذكر به إلى الآن، ومن الفروسية ما لا يكاد أن يدخل تحت الإمكان.

ولما انتصر الأتابك إينال، وتسلطن بعد خلع المنصور، قبض على تمربُغا هذا وبعث به إلى سجن ثغر الإسكندرية، ودام به مدّة، ثم نُقل منه إلى سجن قلعة الصُبَيْبَة، فدام مسجوناً بها فوق الخمس سنين، ثم أطلقه الأشرف إينال في أواخر دولته، وأذِن له بالدخول إلى دمشق لعمل يَرَقة، وتجهُّزه إلى مكة المشرَّفة، فتوجّه إليها، وأقام بها مدّة بطّالاً من سنة اثنتين (١) وستين إلى سنة خمس وستين.

ولما مات الأشرف إينال، وآل الأمر إلى سلطنة الظاهر خُشقَدم، وكان القاسم بدولته الظاهرية طائفة تمربُغا وحزبه، مع ما كان بينه وبين خُشقَدم من الصحبة قبل ذلك، فإنه هو الذي كان السبب في استقدامه إلى القاهرة، على ما عرفتَ ذلك أثناء فيما تقدّم في محلّه، وأيضاً كونه جنسه، بعث إليه بحضوره من مكة المشرّفة إلى القاهرة، فقدمها في أسرع وقت وأقربه، كما أسلفناه في محلّه، ثم رفع الظاهر خُشقدم من محلّه، وأجَلَّه وعظّمه إلى الغاية في يوم حضوره ووروده عليه، وأجلسه مرتفعاً على جماعة من مقدّمين (٢) الألوف، بل وأرباب الوظائف، ثم أمّره بعد القرب من قدومه تقدمة ألف، عِوضًا عن جانِبك المشدّ الأشرفي، لما قبض عليه مع جملة خُشداشيه الأشرفية، ثم جعله رأس نوبة النُوَب، عِوضًا عن بيبرس خال العزيز، بحكم القبض عليه أيضًا، ودام على وظيفة الرأس نوبة مدّة إلى أن امتُحن امتحانة هيّنة بشهرة هو وعدّة من خُشداشية من الظاهرية، منهم الأتابك أُزبَك وغيره، وأُخرج إلى سجن ثغر سكندرية، ثم أعيد بسرعة، على ما تقدّم ذلك مفصّلا في وقته حين وقع، ونزل ورجع لما كان عليه أولاً، بل وزيادة حُرمة فوق ما كانت، ثم نُقل إلى إمرة مجلس، عِوضًا عن قانَم التاجر، لما نُقل إلى الأتابكية بعد إخراج الأتابك جَرباش إلى ثغر دمياط، ودام على إمرة مجلس إلى موت الظاهر خُشقدم. ولما تسلطن الأتابك يلباي نقله إلى الأتابكية عِوضًا عن نفسه، وتحقق الكثير من الناس أن الأمر سيؤول (٣) إليه، وجزموا بأنه إذا ولي الأمر طالت مدّته، ولم يقض أحد من ذوي العقول بزوال ملكه سريعاً، لأن القياس العادي يأباه، وإنما تخلّف هذا القياس في يلباي لأجل الجُلبان الخُشقدمية، فإنّ قيام شوكتهم كان مؤذِناً بزوال يلباي، وأمّا تمربُغا فلا، وللَّه عاقبة الأمور. ولم يزل


(١) في الأصل: "اثنين".
(٢) الصواب: "من مقدَّمي".
(٣) في الأصل: "سيول".

<<  <  ج: ص:  >  >>