للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان كثير التعصّب لمذهب أبي حنيفة، رضي اللَّه عنه، مع التسديد السديد الذي ما عنه مزيد، على مذهب الشافعي، نضّر ضريحه، ظنّا منه أن ذلك مما يقرّبه إلى اللَّه تعالى زُلْفَى، وما ذلك إلّا من عصبيّته وعدم دُربته، وإلّا فما لنا ولمذاهب الأئمّة الأعلام مجتهدي علماء الإسلام، رضي اللَّه عنهم أجمعين، وجزاهم خير الجزاء في يوم الدين.

ولما ترجمه بعض المؤرّخين (١) ممّن يجازف في كلامه وتعرّض فيما يقول، قال: لا نعلم في ملوك مصر من ولي تخت مصر في الدولة التركية أفضل منه، ولا أجْمَعَ للفنون والفضائل، مع علمي من ولي مصر قديماً وحديثاً من يوم افتتحها عَمرو بن العاص إلى يوم تاريخه، ولو شئت لقلتُ: ولا من بني أيوب. ثم أخذ بعد ذلك فذكر كلاماً طويلاً لا طائل تحته، ولا يصدر عن من له أدنى مسألة في معرفة نقد الناس، والوقوف على سِيَرهم وأحوالهم وأخبارهم، إما بالمشاهدة والعيان، أو بالخبر والبرهان.

ورأيت هذا المسكين في غاية الجهل بمراتب الناس ومعرفة ذلك. وما لهم من المقامات الذاتية والعرضية، مع ما عرفته من ترجمتنا لتمربُغا هذا، وإيصالنا له إلى حقّه، لكنْ بحيث يصل الإنسان في الإطراء إلى مثل قول هذا القائل، فلعلّ هذا المقال يؤدّي إلى الهبال، وما جميع من ملك مصر (بعد بني أيوب) (٢) مع بني أيوب، لا سيما السلطان السعيد، الشهيد، الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، إلّا كما قال الشاعر:

نزلوا بمكة في قبائل نوفل … ونزلتُ بالبيداء أبعدَ منزلِ

وكذا (مع صالح نجم الدين أيوب، ووالده الكامل محمد، بل ووالده العادل أبي (٣) بكر بن أيوب) (٤) فليس من الإنصاف، بل ولا من الدين، لا سيما لمن يدّعي أنه مع علمه بكذا وكذا، وأنه له علماً أن يقول مثل هذا المقال، اللّهمّ إلّا أن يكون به الخبال، فانظر بعين الإنصاف، وتجنّب الاعتساف. وعلى تقدير تسليم ما قاله كيف يدّعي لصاحب مدّة قصيرة لم يظهر له ثمرات في تصرّفاته، بل ونحن نعرف ما كان عليه قبل وصوله إلى ما وصل إليه، بل وآل أمره عن قريب إلى ما آل، أن ينسب إلى كونه أفضل من أولئك الملوك الأقيال، فنعوذ باللَّه من الضلال.


(١) يقصد ابن تغري بردي في كتابه: النجوم الزاهرة ١٦/ ٣٧٤.
(٢) ما بين القوسين عن الهامش.
(٣) في الأصل: "أبو".
(٤) ما بين القوسين عن الهامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>