للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يومًا، وليس له في السلطنة مع قِصَر هذه المدّة إلّا مجرّد الاسم فقط، والحلّ والعقد والتدبير فيها لغيره، ويا ليت ذلك الغير كان غالباً برياسة وعلوّ مقامه وهمّته وكبَر صيته وشهرته، بل بشوكته مع عدم تقدّم رياسته في مملكة قبل مملكة أستاذه، وهذا هو الذي أوجب عدم الأمن والطمأنينة، وانعدام ناموس المُلك والسلطنة في دولة يلباي، بل وظهور الشرور والأنكاد، وكثرة الفِتَن والفساد وطمع الطامع في المملكة وما ذلك (١) إلّا لغلبة هؤلاء السفلة والجهلة على السلطان والأمر، وتمكّنهم من الحَجْر عليه بالكلّية، حتى انفرد عن التدبير، وأبعد عنه بآرائهم الغالبة، لقيام شوكتهم وقوّتهم في قلعتهم، ولم يُعلم قبل يلباي هذا من ملوك التُرك ممّن مسّه الرق منهم، لا سيما ممن له هذا السنّ (٢).

وهو جركسيّ الجنس، له ضخامة ومهابة وحزب وأتباع. بقي في المُلك هذه المدّة القصيرة واليسيرة غيره، ولا عهد في المُدَد أقلّ منها، ومع ذلك فكانت من أعجب المُدَد وأغربها في الأحقاد والدسائس على العباد، على ما قد بيّنّاه وأسبابه.

ولما ذكر الجمال ابن (٣) تغري بردي هذا الأمر (٤) وهذه القضيّة نسب العجز والتقصير للظاهر يلباي هذا فقال: وما ذاك إلّا لعدم معرفته وسوء سيرته وخفّته عن تدبير الأمور، وبثّ القضايا، وتنفيذ الأحكام وأحوال الدولة، وقلّة عقله، فإنه كان في القديم لا يعرف إلّا يلباي تلي، أي مجنون، وهذه شهرته قديمًا وحديثاً في أيام شبيبته، فما بالك به وقد شاخ وكبر سنّه، وذهل عقله، وقلّ سمعه ونظره.

هذا ما قاله، وهو كلام في غاية التحامل والاعتساف وقلّة الأدب والإنصاف، بل في غاية السفالة والفسالة، وعدم معرفة الأحوال والحدْس الثاقب، على أن قائله كلان يدّعي معرفة أحوال التُرك على ما هم عليه على ما ينبغي. فليت شِعري كيف لم يكن تمربُغا مساوٍ لهذا في ذلك، حتى لما ترجمه جعله أفضل من بني أيوب. والحال إنه كان في سلطنته دون يلباي هذا، بل كانت قوّة الجُلبان فيها فوق ما كانت في سلطنة يلباي. فلا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، وحاشى (٥) يلباي هذا من سوء السيرة وضعف التدبير، إذ لم يُعلم عليه ذلك، وما كان إلّا برداً في سيرته محمودها، من أعيان الأغوات القرانصة قديماً، ومن أكابر الأمراء ذوي


(١) في الأصل: "ذالك".
(٢) خبر إخراج الظاهر يلباي في: النجوم الزاهرة ١٦/ ٣٧٠، ٣٧١ و ٣٧٩، ٣٨٠، ونيل الأمل ٦/ ٢٩٨، ٢٩٩، وبدائع الزهور ٢/ ٤٦٥، ٤٦٦ و ٤٧٠.
(٣) في الأصل: "بن".
(٤) في النجوم الزاهرة ١٦/ ٣٧٩.
(٥) في الأصل: "وحاشا".

<<  <  ج: ص:  >  >>